عبد الجليل سليمان

بعاعيت التلفزيون.. مرحباً بكم


[JUSTIFY]
بعاعيت التلفزيون.. مرحباً بكم

منتصف اليوم، تصاعد من مئذنة الجامع نداء صلاة الظهر، توقف الشخير فجأة، سمعت همساً يرتفع من الكرتون، قمت نحوه وأنزلته، كان فاتحاً عينيه مبتسماً.. قلت: نوماً هنيئاً أيها الرأس المحير.. لا يجب أن ننام عندما يرتفع النداء.. وما علاقتك به؟.. الرأس مستودع الخير، يستمد حياته من هذا النداء الكريم.. أتدري ما الذي حدث قبل قليل؟
أعرف أن الشرطة تبحث عني فأنا رأس أحمل حضارة الدنيا كلها، أنا الآن معزول عن الجسد مستودع البلادة والخمول، أنا استشرفت حياتي القادمة وأعرف متى سأفارقك.
وحين كنت أقرأ القاص العراقي حسين كرمياني في (رأس مقطوعة) أذهلتني قدرته على مواجهة الحقيقة بتحويرات سحرية جمالية وصياغة النص بإرادة وعقلية تتخطى الأفق الضيق للواقع وتصل إلى زوايا خاصة، تلك الزوايا السحرية القصية التي يكمُن عندها (البعاعيت).
ولعل الأستديو الذي اختارته فضائية الخرطوم لتسجيل حلقة من برنامج ماجدة حسن (طولوا بالكم)، كان كتلك الزوايا، إذ كشفت الأخبار المتواترة من لدنه أنه وأثناء فعاليات حلقة مسجلة عن حقيقة (البعاتي)، وهو اسم سوداني يطلق على الميت الذي نفخ في صورة مبكراً (قبل إعلان القيامة)، إذ تعتقد طائفة كبيرة من السودانيين أن ذلك يمكن أن يحدث، بل أن بعضهم يدعي أنه رأى فلاناً يتجول في السوق بعد دفنه بساعات قليلة، ويبدو أن أحد ضيفي ماجدة حسن وهو المعالج بالرقية الشرعية (بشرى عبد المؤمن)، أحد هؤلاء المؤمنين بالبعاتي، بينما الضيف الآخر، وهو طبيب نفساني شهير (علي بلدو)، يقف في الاتجاه المعاكس، وهذا أمر جيد، أن يختلف الناس في رؤاهم ومعتقداهم، ولا ضير.
لكن يبدو أن السيدة ماجدة حسن، والمخرج الفاضل النور، أصيبا بما يشبه الرعب الطفولي جراء حكايات المعالج بالرقية الشرعية، فصدقا الأمر خاصة عندما أكد المعالج الشرعي وجود آلاف البعاعيت في العاصمة الخرطوم، بما فيها استديو البرنامج، فارتبكت ماجدة وانخرطت في نوبة من الخوف والفزع والهلع، فربما هجم عليها بعاتي يختبئ في مكان ما داخل الأستديو، ربما تحت كرسيها، فيتسلل ببطء ويخربش رجليها ثم يهجم عليها و(يوديها التوج)، ويبدو أن مخرج البرنامج فارق منهج العمل العلمي (التقني)، فعزى بعض الصعوبات التي قال إنها واجهت تسجيل البرنامج إلى أسباب لا يمكن وصفها بالتقنية، إذ تعططلت الأجهزة عدة مرات، وانمسحت مشاهد كثيرة، فما الذي فعل ذلك غير البعاتي المختبئ في الأستديو.
أدهشني الأمر، أن ترتعد فرائص مذيعة، وأن يعتقد مخرج، أن مكان عملهما يعج بالبعاعيت وأنهم يتحكمون في كل شيء حتى الأجهزة الحديثة، يعطلونها ويشغلونها، لذلك قررت أن أنصح إدارة قناة الخرطوم، أن تسرح هؤلاء وتعين مكانهما (بعاتيين) ذكر وأنثى، وهؤلاء يعملان بالتأكيد دون راتب وحوافز، وفي وجودهما لن تتعطل الأجهزة وستكون الرؤى الإخراجية أكثر عمقاً وروعة، فهلا استجابت القناة لطلبي هذا؟!
أما أنا فلا أؤمن بالبعاعيت ولا أخشاها وعلى الشيخ أن يأتي إلىّ برهط منهم، في أي زمان وأي مكان (ولو كان الوادي الأخضر)، وسوف أذهب لأتحدث إليهم، وأتسلى برفقتهم، وطيب معشرهم وحسن أؤلئك رفيقاً

الحصة الأولى : صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]