جمال علي حسن

أوجاع البلد في “تورتة” الإمام


[JUSTIFY] أوجاع البلد في “تورتة” الإمام

بدءا نهنئ السيد الصادق بذكرى ميلاده الذي دأب على الاحتفاء به ثم استثمار المناسبة في تقديم جرد لحساب العام وتقديم الرؤى والأفكار وبحكم وضعية الإمام الصادق المهدي كرمزية يقتدي بسلوكها مناصروه وتلامذته أعتقد أن احتفال السيد الصادق المهدي بميلاده واهتمامه بهذه المناسبة يفترض أن يكون قد أصبح أحد أدبيات كيانه ومناصريه وبالتالي كنت أتوقع أن تنتشر هذه العادة بين الأنصار لكن في الواقع لا أحد من قيادات الأنصار وقيادات حزب الأمة يحتفي بعيد ميلاده غير السيد الصادق المهدي الزعيم.. هل تعرفون لماذا..؟ لأن السيد الصادق المهدي الذي يستدعي قصة عودة حفيد آل البيت الذي اختفى قبل 14 قرنا لا يستبعد في الخيارات والاحتمالات والظن الراسخ عنده وجود علاقة موضوعية أو غير موضوعية تدخله دائرة الترشيح للمهدية خاصة وأنه يعتقد أنه يمثل المهدية الثالثة، وحين سألته في أحد حواراتنا الصحفية عن السيرة المنشورة له في أحد مؤلفاته التي تتحدث عن إشارات لارتباط ميلاده بميلاد المسيح وبعض علامات الميلاد قال لي إن الناشر هو الذي اجتهد وقام بنشر هذه المعلومات في مقدمة الكتاب لكنه لم ينف اعتقاده فيها..

على كل حال نهنئ السيد الصادق المهدي في ذكرى الميلاد ونتمنى له طول العمر والصحة والعافية مع تحفظاتنا القاطعة على التحليلات الغيبية المرتبطة بهذا الحدث..

الشيء المهم الذي جعلني أختار هذا المدخل هو ملاحظاتي الخاصة على المفارقة بين لسان السياسيين ومزاجهم العام وسلوكهم.. والإحباط المستمر في نموذج السياسيين في بلداننا.. النموذج القديم الذي يريد صاحبه من الجماهير أن تقدمه لكنه لا يميل إلى أن يكون جزءا أصيلا من حشودهم وحالهم حين يتقدمهم..

النموذج المتخلف هذا في مقابل نموذج جديد لقادة العالم يعيش فيه القائد حال جماهيره بصدق حتى يكون جزءا منهم ويستحق أن يتقدمهم ويقدمونه عليهم..

وحين نطالع تصريحات الصادق المهدي كمثال لهذه المفارقة والتناقض بين لغة وعبارات هذا الزعيم السياسي في توصيف الواقع العام بلغة الإنذار والتحذير والقلق من المخاطر القائمة والقادمة وبين المزاج المعتدل والهادئ الذي يميز سلوكه وممارساته وتعاطيه مع حياته بإيقاع منظم لا يهمل تفاصيل صغيرة و(هايفة) بالمقارنة مع هول الواقع حسب تصويره هو نفسه له في الخطب والتصريحات والمقابلات التي حين تطالعها تشعر كمواطن بسيط بالإشفاق على حال الصادق المهدي وغيره وتقول في سرك وجهرك (ربنا يعين الرجل) على حمل همومنا ومعايشة الواقع المأساوي الذي نعيشه.. وتشفق على الرجل الذي لا ينعم بالراحة والاسترخاء ولا يجد حتى وقتا لمشروعاته الفكرية والتنظيرية غير الطارئة لأنه منهمك وغارق في همومنا..

تفاجأ أن الصادق وغيره من السياسيين لا يحتاجون منك لهذا الإشفاق وربما لا يستحقونه ولا هم يحزنون.. هم فقط يحزنونك أنت ويصيبونك بالزهول والشعور بأن لا وقت لأي شيء غير مهم في الحياة ويجب أن تعيش كمواطن في حالة توتر وقلق وتقوم بإلغاء جانب كامل من حياتك هو القضايا غير المهمة وغير العاجلة جدا.. لأن بلدنا حسب تصويراتهم المتجددة كل يوم هي على حافة الضياع والهاوية السحيقة.. لكنهم يعيشون حياتهم كاملة وكأن شيئا لم يكن وكأن تلك الهاوية التي ستسقط فيها بلادنا البعض منها استثناء.

مفارقات محزنة بين المزاج الذي يريده لنا الساسة وبين مزاجهم الخاص.. مفارقات كبيرة بين لغة التصريحات وبين الإحساس الحقيقي الذي تعبر عنه سلوكياتهم وعمق ضحكاتهم..

يقولون إننا يجب أن ننتفض ثم يدخلون غرفهم لكتابة الشعر والقصص وتهاويم المساء والصباح وترتيب رحلات السفر..

جميعكم في حال تختلف عن الحال التي أردتموها لنا.. حاكمين أو معارضين لا أحد يتمثل بحالنا الذي يصفه هو نفسه فيؤثر وصفه علينا ثم ينسحب هو لحاله..

احتفالية عيد ميلادكم سيدي الإمام في هذا البلد المتأزم ليست هي المناسبة الأنسب للحديث عن أوجاعنا

جنة الشوك : صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]