مصطفى أبو العزائم

«الحصة الأولى» استقلال


[JUSTIFY]
«الحصة الأولى» استقلال

كثير من الآباء والأمهات، وأولياء الأمور، يشكون من أن أبناءهم يعيشون في عالم خاص، لا علاقة له بعالم الآباء، ولا علاقة له بالواقع السوداني الاجتماعي المعاش.

هذه الشكوى قد تصادفك كثيراً مثلما تصادف غيرك، وستجد نفسك معززاً للشكوى إن كنتَ أو كنتِ أباً أو أماً، أو ولي أمر لبعض شباب اليوم، أو صامتاً لا تجد إضافة لما يقوله محدثك، وربما يعجز الكثيرون عن مواصلة الحديث حول الموضوع، لأنه مقترن بحالة شخصية معاشة، تشعرك بالعجز تجاه التحكم في تربية أبنائك وبناتك، الذين بات أكثرهم لا يرى في رب الأسرة إلا مُلبٍ لرغباتهم ومحققاً لمطالبهم، هو يلبي وهم يأمرون.

بالأمس اشتكى لي صديق من أنه أصبح يعيش شبه وحيد وسط أسرته المكونة من ستة من أبنائه وبناته، وزوجته في المنزل الواحد، حيث لكل من الأولاد أو البنات عالم خاص، لا يريد أن يشرك فيه أحداً، إضافة إلى انشغال الأم بعملها نهاراً، ثم ببعض أعمال البيت بعد الظهر، والانشغال بالمحادثات الهاتفية – التي وصفها بالفارغة – بقية الوقت، بينما يقبع هو أمام جهاز التلفزيون، يحاول متابعة الأحداث المحلية والعالمية، ومشاهدة مباريات كرة القدم.

ذلك الصديق أعرب عن حزنه وعن خشيته في نفس الوقت من تفكك الرباط الأسري في بلادنا مستقبلاً، إذا كان هذا هو حال الأسر الآن، وقال متعجباً ومندهشاً: (تصور يا أخي الأولاد ديل ما عندهم إحساس بالاستقلال، وما بعرفوا حاجة عن الزعماء الوطنيين ولا الذين حققوا الاستقلال من خلال حركة وطنية قاومت الاستعمار من البداية).

قلت لصديقي الغاضب إن ما لفت نظره، وما يقوله الآن ليس بالأمر المستغرب، فالعالم الخاص لأبنائنا وبناتنا – خاصة الناشئين – سببه ثورة المعلومات والاتصالات التي انتظمت عالمنا، والتي من خلالها دخل هؤلاء الأبناء إلى عالم افتراضي، يرونه أجمل من عالمنا الحقيقي.

أما عن علاقة الشباب بالاستقلال فإن اللوم لا يقع عليهم ولا المسؤولية، لأن ذلك من واجبنا، ومن واجب الدولة ومؤسساتها ومناهجها وبرامج أجهزتها الإعلامية المشاهدة.. وإن الإحساس بالاستقلال كان يمكن أن يكون عالياً جداً، إذا ما أفردنا كلمة (طابور الصباح) في المدارس لهذا الحدث، وإذا ما خصصنا (الحصة الأولى) في كل مدارسنا بمختلف مراحلها للحديث عن الاستقلال.

ومع ذلك يبدو أن صديقي الغاضب لم يقتنع!

بعد ومسافة : صحيفة آخر لحظة [/JUSTIFY]