جمال علي حسن

ذكرى الاستقلال.. حصة خارج الجدول


[JUSTIFY]
ذكرى الاستقلال.. حصة خارج الجدول

استقلال السودان مناسبة مراسمية ضعيفة التأثير حتى على مزاج يومها الاحتفالي الذي لو لا مصادفته لعطلة مطلع العام الميلادي لاحتاجت الفرحة في هذا اليوم منا إلى عقاقير (الطلق) الاصطناعي حتى تأتي..

والواقع أن تاريخ السودان برمته هو ملف مركون في أقصى أقاصي الذاكرة بعد أن أذاقتنا صفحات محدودة منه مرارة العذاب قرابة الستين عاما فلم نجد وقتا ولا رغبة لمطالعة بقية الصفحات..!

تاريخ السودان بالنسبة للكثيرين عبارة عن وثائق يتم فحصها لتحديد (من الذي لا يستحق ماذا)..!!

وتاريخ السودان يطالعه باحثون ومهتمون ومثقفون فقط للتنظير والتخطيط لمن يصنعون من سطوره قنابل الحريق ورصاصا الموت..

تاريخ السودان عند الكثيرين عبارة عن قصاصات لإثبات حجج الحرب لمن يخوضها وقصاصات يستعين بها آخرون لتأكيد الظلم التاريخي الذي يزعمون أنه وقع عليهم أو على قبائلهم وعشائرهم وأحزابهم..

أو أنه عبارة عن وثائق للمغالطات حول قضايا مثل تبعية أبيي بين السودان وجنوب السودان..

تاريخنا ولستين عاما مضت كان قضية لا تعني إلا أصحاب الأزمات الثقافية أو الطموحات السياسية لذا لا نكاد نحفظ منه سطورا قليلة طالما أن حصة التسميع لكتابه غير مدرجة في جدول هذا الفصل الدراسي الطويل..

وذكرى الاستقلال المجيد لم نترك في ذبيحتها قطعة واحدة من اللحم نوفرها لإفطارنا الروحي والمعنوي والوطني فلا زلنا ومنذ إحضار تلك الذبيحة نقطع لحمها قطعة تلو الأخرى ونرمي بها للكلاب بحجة عدم صلاحيتها للاستعمال.. كل شيء مشكوك فيه وحتى أولئك المثقفون والكتاب تجد الناضج منهم الذي نستبشر بحديثه مرة في العمر حول تاريخنا نفاجأ بأنه لم يكتب عن تاريخنا بحبر القلم بل بمكنسة الإزالة والإلغاء والتشكيك..!!

لقطات تلفزيونية محدودة يتم عرضها في اليوم الأول من العام الميلادي الذي نتبادل التهاني فيه بمناسبة رأس السنة ونخفض صوت التلفاز الرسمي الذي هو الوحيد الذي يحدثنا عن ما حدث في الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الأحد أول يناير 1956 حين تم إنزال علمي الحكم الثنائي البريطاني والمصري من سارية سراي الحاكم العام ليرتفع في اللحظة نفسها علم جمهورية السودان ويشهد بميلاد دولة جديدة، أمام حشد كبير من السودانيين..

ثم يعيد علينا ثلاثة أو أربعة أناشيد وطنية لا أدري من أين كنا سنحصل عليها لولا وردي والعطبراوي وميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة الذين تركوا لنا ما ينقذ هذه المساحة الزمنية وذلك اليوم الذي تموت أخباره في مهدها وتعاد فيه تلك الأناشيد الوطنية المحدودة في بلاد تنتج سنويا مغنين جددا بكثافة تماثل كثافة الهم في القلب..!!

لست محبطا بكسر أو فتح الباء بل وعلى العكس تماما أرى أن بداية عودة الوعي الوطني المهم جدا أن يعود يجب أن تكون بعودة هذا الإحساس المفقود..

الإحساس الحقيقي بالوطن ( بالتراب الغالي الما ليو تمن) هذا الإحساس المفقود الآن وحده يكفي لحلحلة تسعين في المائة من الأزمة.. ويكفي لاستدعاء ضمائر الخير والإخلاص لهذا الوطن ويكفي لعدم خيانته لا حربا ولا تدميرا ولا فسادا فكلها خيانة.. لا فرق بين خائن يتآمر ضد الوطن وبين خائن آخر يسرق أموال الوطن وثرواته

جنة الشوك : صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]