عبد الجليل سليمان

ضياع خاتم الاستقلال


[JUSTIFY]
ضياع خاتم الاستقلال

يُروى أن علاقه قديمة وحميمة كانت تجمع بين إسماعيل الأزهري والشاعر عبد الحليم علي طه (كانا مُدرسين بثانوية غردون)، وأنه رغم تلك العلاقة لم يحضر الأخير مراسم زواج الزعيم بسبب ما أسماها هو شخصياً بملاريا خبيثة ألمت به، ما جعله يبعث للأزهري اعتذاراً شِعرياً سارت به ركبان مؤانسات جيل الاستقلال تندراً وملاطفة، يقول عبد الحليم علي طه في اعتذاره “زهران أخوي أنا كنت غايب ما في/ سرّاني الخبر ما تقول أخوكم جافي/ حبستني ملاريا خبيثه قول يا شافي/ لولا المرض أنا كت بصلك حافي”.

هذا النمط/ النسق الشعري أُصطلح عليه بالإخوانيات، وأشتهر بين جيل الاستقلال من المثقفين والموظفين (يتجادعونه) لا يردعهم رادع، إذ أن بعضه فرط (دواهيه التي خلف سواهيه)، يصبح غير قابل للنشر وإلاّ لهب علينا بعضهم يتهمنا بالترويج لكذا وكذا.

لكن لا بأس أن نتجاوز قليلاً ونمضي بيدينا نغوص في ماعون عبد الحليم علي طه، أحد رواد الإخوانيات المشاهير والفطاحيل، إذ أنه ومن شدّة ولهه وافتتانه بالأزهري (زميله الغردوني)، لم ينس أن يضع سيارة الرئيس في مشهده الشعري وبلغ بقافيته حداً من تعظيم وتفخيم سيارة الزعيم أن شبهها بالدبابة “دبابتك تزغرد وإنت نورك طافي/ وأنبوبتك قديمة واللساتك مافي/ والدقداق شديد إن طرشقت يا كافي/ بشيشك ياريّس سوق بي مهل شِن لافي”.

ولعلنا طالما وقفنا على أطلال إخوانيات عبد الحليم علي طه، فإننا لن نرضي بوقفة (شحيح ضاع بالترب خاتمه)، لذلك ما ضرّانا في شيء إن ذهبنا نحو الأستاذ عبد الحفيظ مريود، إلى مقالة الشهير ثقافة النيل وثقافة الأقليات الموسوم بعنوان جانبي (آيدولوجيا الجعليين)، إذ أشار إلى أن شاعر الإخوانيات سالف الإشارة كان سخر من هجائيات يوسف محمد الكارب، المفتش بمشروع الجزيرة، حين دخل المعركة الشعرية اللطيفة بينه ومحمود الفكي، نافياً قدرته علي الارتقاء إلى معيارية الشعر، ليس لتقاصر موهبته الشخصية وإنما بسبب محيطه: “وين جوّ الشعر يا العالم العلاّمة؟/ وين كأس الشعر والبرقو ليك ندامى؟”. وبحكم عمل الكارب في مشروع الجزيرة – فإنه يخالط وينادم (البرقو)، وهي إحالة مركزية إلى مطلق القادمين من الغرب، ويستطرد (مريود): وإذا كانت (البرقاوية) مقعدة للموهبة، فإن عبد الحليم علي طه ينظر الي (الحلبنة) – نسبة إلى الحلب – ذات النظرة، معرِّضاً بالشاعر عزمي سمارة الداخل تواً معركة الإخوانيات بقوله “ميدان الشعر الخضنا في مضمارو/ كنت أنا الوتر كان الحفيد طنبارو/ عزمي الباشبوزق بالقوَّة غزَّ حمارو”. والباش بوزق إحالة مركزية ايضاً إلى مطلق الحمرة (الأباها المهدي).

على كلًّ، فإن وقفة خاطفة علي هذا الأثر الشعري كنموذج بدت لي وكأنها احتفاء مختلف بالاستقلال، احتفاء ينشد بعض المراجعات النقدية لسيرة الأوائل عوضاً عن إحاطتهم بهالة من القداسة، ربما هذا يمنحنا بصيص أمل بأن حالنا في الاحتفال القادم سيكون أفضل، ربما فمن يدري؟

الحصة الأولى : صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]