سعد الدين إبراهيم

لو كنت فظاً.. غليظ القلب


[JUSTIFY]
لو كنت فظاً.. غليظ القلب

ذات يوم وأنا أحمل اكياساً عديدة في السوق لم أقدر على حملها، فناديت صبي (الدرداقة) ذلك الاكتشاف الذي أراح الصبية من عناء حمل الأكياس على اكتافهم هي صندوق تحته عجلات يدفع بها الصبي يحمل حاجيات الناس بأجر بسيط.. أو يحمل عليها ليموناً أو غيره ليبيعه.. ثمنها كان خمسين جنيهاً لعله زاد الى أكثر من 300 جنيها .. صبي جاءني (بدرداقته) حين رآني اتلفت ابتسم حين وضعت حاجياتي عنده ليحملها.. ومضى أمامي حتى وصلنا الى محطة العربات.. نفحته جنيهاً فطلب جنيهاً آخر قلت له: لماذا انت أصلو عملت شنو؟ قال: أنا ادفع إيجاراً لها ثلاثة عشر جنيهاً.. قلت : لمن؟ قال : للمسؤولين الذين نستأجرها منهم قلت: ولماذا نستأجرها اشتر واحدة قال: بصادروها قلت: من! قال: المسؤولين.. قلت غير معقول.. أقسم وأضاف بعد مايصادروها كمان بغرموك.. منحته الجنيه وأنا معجب بأكاذيبه..لأنه تحدث لي عما يشبه المافيا التي حسبت إنها لم تصل بعد الى السودان.. كما إنني أعرف أن الرحمة لم تغادر قلوب السودانيين بعد.. كيف يسرق أبناء هذا البلد صبية صغار يجرون على أكل عيشهم بهذه الطريقة البدائية.. كيف يتقاسم أي فرد مهما كان قاسي القلب اللقمة مع هؤلاء.. كيف يسرقون عرق صبي صغير ترك المدرسة ربما قسراً ليصطاد بضع جنيهات قد يكون خلفه أم وأخوة وأخوات يأكلون معه من دخل هذه الدرداقة الولد يكذب.. هذه حيلة ليقنعني بنفحه جنيهاً آخر.. لا لم تصل الأمور في بلادنا الى هذا الحد.. نسيت حكاية الولد الكذاب.. حتى فاجأتني الصحافية بصحيفة الخرطوم (نهى هاشم) بتحقيق عنوانه: صبيان الدردادقات المحليات تقطع أرزاقنا وأخذوا يحكون ما قاله لي الصبي الذي اتهمته بالكذب، لأنني حسبته يحكي عن صلف مسؤول غليظ القلب في فيلم هندي خيالي .. حكوا (لنهى) العجب.. فخر الدين ناشد رئيس الجمهورية (عديل كده) ليخلصهم من هذا الاسترقاق وطلب منه ليس الغاء هذا الظلم بل تخفيفه بتخفيض ايجار الدرداقات الذي وصل الى 14 جنيهاً، بل طالب بالسماح للبعض باستخدام درداقاتهم الخاصة.. عماد أبان أن المحلية تمنح الدرداقات بناء على عطاءات !! وتمنع استخدام الدرداقة لغيره.. حتى إنه أشار الى احتكار هذه الخدمة بحيث لا تكون هنالك منافسة تحميهم من سيطرة صاحب العطاء فربما لو سمح لآكثر من شخص تزداد المنافسة ويقل سعر الايجار الطامة الكبرى أن المحققة ذهبت الى صاحب الدرداقات ونقلت له شكاوي الصبية من غلاء تأجير الدرداقات فقال لها :«لا يمكن تخفيضها لأن من يرسو عليه العطاء يدفع 32 مليون جنيه شهرياً للمحلية.. ونحن طالبناها بتخفيض هذه الرسوم حتى نتمكن من تخفيضها لكنهم رفضوا لأن مدة العطاء ثلاث سنوات ولن يتمكنوا من التخفيض.. كما أورد إن سعر الدرداقة قفز من 55 جنيهاً الى 300 جنيه، وأضاف لذلك من لا يستطيع دفع الـ14 جنيهاً نقوم بأخذ الدرداقة منه ومصادرتها.. في هذا الأمر حيف وظلم فادح.. على الأقل يجب مشاركته في العائد الذي لن يصعب تقديره.. لكن الأمر بهذه الطريقة لا يحتمل وهو أيضاً يحتاج الى مراجعة فنظامنا قام بتحرير السوق وديننا وأعرافنا تمنع الاحتكار.. وطالما السوق حُر فليس فيه مايمنع الصبية من العمل بدرداقاتهم إن تمكنوا من شرائها.. عموماً في هذا التحقيق كارثة عديل.. وفيه عدوان على حقوق هؤلاء الصبية.. بل هو ممارسة عنف ضد الأطفال.. هذا أمر لا تقره شرائع ولا سنن.. هذا أمر خطير.. يقول للصبية: أسرقوا وانشلوا ولا تعملوا عملاً شريفاً.. هذا عمل لا يرضاه الله ولا رسوله.

يا ولاة الأمر أوقفوا هذا الظلم فوراً.. العياذ بالله من غضب الله ..

الصباح..رباح – صحيفة آخر لحظة [/JUSTIFY]