حرق البخور.. إعادة اعتبار

قال الرب لموسى: وتصنع مذبحاً لإيقاد البخور، وقال: ويوقد عليه هارون بخورا عطرا كل صباح، وكذلك في العشية. وقال منصور خالد في اشتباك قديم مع عبد الله علي إبراهيم إنه صنع معبد مايو في حين (عبد الله) ظل يحمل مبخرة ويطوف حوله، وكان ردّ عبد الله، أن ذلك ليس صحيحاً لأنه حينما رآهم يهرلون حول معبد (مايو) بالمباخر قرر التفرغ للعمل السياسي في الحزب الشيوعي (بتاع عبد الخالق)، بحسب ما أورد الطاهر حسن التوم في سلسلة برنامج (مراجعات) المطبوعة.
وقد أُستُخدم هذا المصطلح العطري (حرق البخور) دينياً للترميز على الطهارة والعطرية والقداسة أحياناً فقيل (كونوا بخورا دائما أمام الرب في أجيالكم).
لكن ما أن استعارت اللغة السياسية هذا التوصيف الديني العميق لخُدّام المعابد وكهنتها من السدنة وحارقي البخور، حتى تم تدنيسه وصار توصيف أحدهم به عار عليه، حتى أن الواحد منهم (الساسة وتابعوهم) ترتعد فرائصة ما أن يرى (مُبخراً) يطوف دخانه لُبانِه العدني أمام ناظريه ولو كان ذلك مُحايثاً لـ(قعدة قهوة). ومن شِدّة ما لحق بهذا المصطلح (الطهور) من دنس سياسي حتى أصبح يستخدم في سياق يُشبه المعنى اللغوي لمؤنثة (الحارقة)، وهي، أما المرأة التي تُكثر من سَب جاراتها، أوالعَصَبة التي تجْمَع بيْن رأْس الفخِذ والورك.
وكم وددت لو خاض الناشطون في السياسة السودانية هذا المُصطلح عبر لُجة معناه المؤنث الذي أوردته آنفاً في سياق (العصبة التي تجْمَع بيْن رأْس الفخِذ والورك)، ما يمنحهم قدراً كبيراً من الشجاعة تعصمهم من (الزوغان) من استحقاقات النقد الذاتي والمحاسبة والاعتراف بما اغترفوا ليس أمام كهنة المعبد فحسب، بل أمام جمهور المُصلين كله، ما يجعلهم يحظون بتقديرهم واحترامهم وبالتالي نستطيع أن نؤسس لـ(عصبة متينة) نرتق بها ما انفتق رأْس الفخِذ (الساسة الكبار) والورك (نحن الواقفين على خطوط النار) من عامة الشعب، فهلا شددنا أزر (حرق البخور)، وجعلناه مصطلحاً إيجابياً.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي
