ضياء الدين بلال

(الحرامي)… انتقادات لاذعة!


[JUSTIFY]
(الحرامي)… انتقادات لاذعة!

بطريقته التهكمية الساخرة، وفي مكالمة هاتفية مطولة، شنّ عليّ أحد الأصدقاء، وهو ضابط شرطة رفيع انتقادات لاذعة.
الصديق العزيز، يرى فيما أثرناه حول وجود خلل في فلسفة العقاب بالسجن لشرائح محددة من المجرمين؛ محاولة للبحث عن حلول في المكان الخطأ..!
وانتقد بشدة إشارتنا إلى مجموعة واسعة من المجرمين، بات لا يهمُّها أن تكون في السجن أو خارجه.
وقولنا إن ما يتوافر لهذه الشرائح في السجن، لا تجده في الحياة العامة، كما أن السجون غير مؤهلة لإصلاحهم سلوكياً واجتماعياً، وبذلك تنتفي مُهِمَّتا العقاب والإصلاح، اللتان على أساسهما شُرعت السجون.
الصديق العزيز يرى أن المشكلة لا توجد داخل السجون، بل هي في الخارج بالكامل.
المشكلة في سياسات الدولة، التي تحطُّ من قدر مواطنين، حتى تتساوى عندهم حياة السجن مع خارجه.

الصديق فَهِمَ من المقاليْن السابقيْن، أننا لا ندعو لرفع مستوى الحياة خارج السجن، ولكن ندعو لتخفيض مستوى خدمات السجون، حتى تصلح للعقاب والردع!!!

لا أعرف من أين تسربت للرجل أو غيره هذه الفكرة الشائهة والملوثة؟!
حديثي كان مباشراً وبسيطاً: السجن ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة للعقاب والإصلاح.
كل مؤسسة أو أي جهاز أو آلية، تصمم في فكرة التأسيس والتصنيع لتأدية مهام محددة، وإذا فشلت في إنجاز مهامها، تعاد إلى المنشأ للتقييم والمراجعة، للإصلاح أو الإلغاء.
السجون الآن كمؤسسات عقابية في السودان، لا تؤدي المُهمَّتيْن -لتلك الشرائح- لا تصلحهم ولا تعاقبهم، بل هي تقوم بنقيض ما يُراد منها.
قدمتُ الشواهد والحيثيات لتأكيد تلك الفكرة، ولم أتجاوز دوري التنبيهي في تقديم حلول وتوفير إجابات، فهذه مهمة آخرين من ذوي الاختصاص والشأن.

خوفاً من ذلك الالتباس، فقد كتبتُ في مقال الأمس الآتي:
(الأمر لا يعد إدانة لجهة محددة، نتهمها بالتقصير؛ فالإدارات المسؤولة عن السجون، تعمل وفق إمكانيات محدودة جداً، لا تمكّنها من القيام بدورها على الوجه الأكمل.
لا بد من التحرر من الكسل الذهني والإداري، وحالة الاستسلام للأمر الواقع، والبداية لذلك تأتي عبر إجراء دراسات علمية وبحثية عميقة، لمعرفة الخلل في مجمل المنظومة العقابية في السودان)!

لا ينكر أحد أن مجموعات كبيرة في السودان وغيره، حكمت عليهم الظروف الاقتصادية، والأوضاع الاجتماعية، وغضب الجغرافيا، وظلم التاريخ، أن يظلوا طوال حياتهم معتقلين في ظروف بائسة وتعيسة، تجعلهم أقرب لعالم الجريمة.

هذا المعطى الاجتماعي موجود في أماكن كثيرة في العالم، وفي السودان بصورة قد تكون أكثر سوءاً، وهو يحتاج إلى معالجات على مسارات متعددة.

القضية هنا محددة بوضوح، وتأخذ في الاعتبار المؤثرات العامة، ولكنها مصوّبة لمخاطبة سؤال مركزي، عن جدوى السجون لتلك المجموعات التي تحدثتُ عنها، مع التنبيه لضرورة التفكير خارج الصندوق، لجعل وسيلة السجن تؤدي مُهمَّتيْ العقاب والإصلاح، لا التحفيز والتأهيل الإجرامي!.
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني