تحقيقات وتقارير

العملة السودانية.. فات زمان كان ليك مكانة!

[JUSTIFY](1)
لكل ذلك، وحتى نبعث ونبث في ذكرى الاستقلال شجوناً في (كبارنا) ونجعل لـ(صغارنا) بصيرة تتدبر وبصراً يتأمل، رأينا أن نحتفل بالاستقلال بطريقة مختلفة، نمسك بأشياء تبدو صغيرة لكنها في حقيقة الأمر تفعل ما لا تقدر عليه الخطب النارية ولا الحفلات الملحمية.
(شئ) مثل العملة السودانية (الجنيه) أليس جديراً بأن يتصدر فعاليات الاحتفال بعيد الاستقلال؟، فالجنيه (السوداني) أحد رموز السيادة والاستقلال، بل الرمز الأهم والأكثر تعبيراً عن الاستقلال السياسي والاقتصادي، والثقافي أيضاً، حيثُ تعبر الصور المطروحة بين يديه وخلف ظهره عن التباين الثقافي، والبيئي وتعدد المناخات والثروات القومية من غابات، حيوانات، طيور، محاصيل زراعية، ثروة حيوانية، أزياء، فلكور، آلات موسيقية.. وخلافها. لكن إلى جانب ذلك يحيل الاحتفاء بالعملة في ذكرى الاستقلال كثيرون إلى أزمان يظنونها كانت أحلى وأجمل. فتعالوا نستمع إلى بعض إفاداتهم:
(2)
يقول العم (شنان سيف الدين) 85 عاماً، موظف سابق بالمالية: الله يا ولدي.. إنت نكأت جراح. يسكت، بأخذ نفس عميق- لعله يضمد ما نكأنا- ثم: عارف، خلي القرش والريال والطرادة؛ التعريفة والمليم كانوا بيعملوا عمايل عجيبة، أنا ما عايز أتفلسف وأتكلم ليك عن كيف كان الأجر النقدي يفي ويزيد عما يقابله من سلع وخدمات، ودا (مجموع السلع والخدمات)، نحن العندنا علاقة بالاقتصاد نسميه الدخل الحقيقي والراتب اسمو الأجر النقدي، هسي شوف الفرق بين الأجرين، زمان النقدي كان أعلى، الآن لا يفي بـ(5%) من السلع والخدمات. ويستطرد العم (شنان): دا موضوع طويل ومعقد، خلينا نرجع ونحتفل بالعملة، يا الله!! الورق المصقول، الألوان، الرسوم المعبرة، المتانة، النواحي الفنية الدقيقة، سمعت بزول زور عملة زمان؟. يواصل: الآن العملة بقت زي حلاوة قطن تذوب وتبلى بسرعة، هي ذاتها بقت ما عندها قيمة، لا مادية ولا جمالية.
(3)
الكتيبة السودانية التي حاربت في المكسيك، الزول الشايل جرتين صغيرات قالوا دا الملك تهراقا كان يقدمهما لأحد الآلهة، صورة وحيد القرن، الجمل، الغزلان، الطيور. هكذا ابتدر (عثمان متولي) -77 عاما و3 شهور كما قال- حديثه وأضاف: حتى مسميات العملة كانت ذات وقع خاص، مليم، تعريفة، قرش، فريني (أب قرشين)، شلن (خمسة قروش)، ريال (عشرة قروش)، طرادة (خمسة وعشرون قرشاً)، خمسين (خمسون قرشاً)، جنيه (مائة قرش)، واستطرد: لهسي متذكر كنا صغار نغني (ابو الضليل، ضلل لي، الساعة اتنين بديك قرشين)، والمرحومة عائشة موسى (الفلاتية)، ودي كانت عملة صعبة، قالت في أغنية (سمسم القضارف): العُقَّر ما بلدنو/ ألفين جنيه من أمو ما بجيبنو، دي أغنية من الخمسينيات، هسي ألفين جنيه ما تجيب ليك سندوتش خلي عروس ناصعة بيضاء زي سمسم القضارف.
(4)
كثيرون تحدثوا إلينا، احتفلنا معهم بعيد الاستقلال على خلفية (رمزية) العملة الوطنية، شباب من الجيل الحالي كانوا حضوراً يستمعون ويعلقون على إفادات أجدادهم وآبائهم وهم ينظرون مندهشين إلى جمال وروعة (عملتنا) بتاعة زمان.. أحدهم (لؤي عاطف) -طالب جامعي- قال: حتى الجنيه أب عمة بتاع (نميري) جميل إذا ما نظرنا إليه من ناحية أنه يعبر عن الزي القومي (جلابية بيضاء مكوية، وعمة لولوبية).. لكن معظم الحضور من (جيل زمان) اتفقوا على أن تدهور العملة بدأ في عهد النميري، وبلغ مداه في عهد (الدينار)، وشددوا على أن الدولار (أبو صلعة) كان يبدو كحافٍ حالق، هزيلاً أمام الجنيه حتى بدايات مايو، ومن ثم (دقت عملتنا الدلجة). ودعا جميع من بالحلقة (حلقة الإحتفال بالعملة) السودانيين إلى الإحسان إلى عملتهم وإنقاذها من التداول غير الرشيد، وزجر كل من يعرضها لـ(المرمطة)، وأكدوا أن من لا يحترم عملته ويحافظ عليها فهو لا يحترم وطنه.

حكايات[/JUSTIFY]