سعد الدين إبراهيم

المساكين يأكلون


[JUSTIFY]
المساكين يأكلون

ثلاث مداخلات نسوية في موضوع استثمار الرغيف استحقت التوقف عندها.. الأولى من الأخت الأستاذة نعمات حاج علي التي تدير عملاً خاصاً الآن وكانت قد عملت في الأمم المتحدة.. اتصلت بنا عبر الزميل الجميل محمد لطيف.. وقد رأت في اقتراحنا بعمل بنك أو موئل للرغيف المستغنى عنه.. اقتراحاً يستحق الحماس له ومن ثم عمل هذه الحافظة للرغيف على أن تقسم في أيام معلومة من الأسبوع… وهي حقاً تفعل ما في وسعها، فهي تدير مطعماً وبالتالي يكون هنالك خبز فائض هي تحتفظ به ولا ترميه بل تعطيه للراغب فيه.. وهذه بادرة إنسانية شفيفة منها.. الثانية هي الابنة أميرة فيصل المبارك.. عمها الكاتب والمسرحي والأكاديمي الكبير الدكتور خالد المبارك.. حكت لي أنها عندما يفيض الخبز عندهم تضعه في كيس وتعلقه على شجرة أمام بيتهم وبعد زمن لا يطول تجيء لتجد أن أحدهم أخذه.. ربما شخص واحد اكتشفه فأصبح ينتظره.. عموماً قد أسهمت في إطعام إنسان.. الثالثة امراة في العقد السادس من عمرها تقريباً.. حكت لي عن (قريبتها) وأنا على يقين من أنها تحكي عن نفسها.. الشاهد أن المرأة أو قريبتها كانت في بداية حياتها وبعد أن رحل زوجها وترك لها أبناء وبنات.. وكانت لا تجد إلا الكفاف.. فكانت تجمع العيش الفائض من المطاعم.. وتجففه.. تغليه ثم تدلق الماء.. ثم تغليه من جديد لأنها حسب ملاحظتها العيش الناشف إذا لم يغلَ جيداً يظهر في المذاق.. وكانت تأخذ العظام من الجزارين كانوا لا يبيعونها يمنحونها مجاناًَ لمن يريدها.. وتقوم بعمل شوربة وترش بها ذلك الخبز وكان أولادها يحبونها ويدعون أصحابهم لمؤاكلتهم.. كانوا يستمتعون بها.. ومرات تعمل سخينة.. مرات عدس «تُمن كيلو».. وعلى ذلك ربت أطفالها الذين أصبحوا الآن في مراكز محترمة.. كان حتى أولادها لا يعرفون حتى من أين تأتي بالخبز كانوا يقبلونه باعتباره من فنون الأم الماهرة.

على ذلك أرى أن الموضوع يستحق أن نأخذه على محمل الجد.. ولنتداعى في جلسة شبابية قطع شك.. لأننا حسب حالنا لا نستطيع سوى أن ندعم الفكرة قلمياً.. لكن بضع شباب وشابات يمكن أن يقوموا بالمشروع على أكمل وجه.. وطالما للأستاذه نعمات تجارب فنحن نرجوها أن تتبنى الفكرة.. وهي قد طبقتها جزئياً.. وأن تدعمها اميرة المبارك خاصة وأن هذه تسكن الثورة وتلك تقيم في الخرطوم اتنين.. هذه المساحة جغرافياً معقولة جداً.

لو تم تنفيذ المشرع.. أكثر من اسم يمكن أن يبدعه الشباب للمشروع اقترح أن يكون اسمه «مسكين يأكل» والاسم تخليد لمشروع رجل جميل أرهقته السياسة وأتعبه الفكر ورحل عن دنيانا.. هو صديقنا بشار عليه رحمة الله.. وكان قد اضطر بعد فصله من عمله لعمل مطعم.. ولما كان مؤمناً بأفكاره السياسية فقد حزّ في نفسه أن يبيع الطعام لمن يملك النقود فقط.. حتى المساكين يجب أن يأكلوا.. وكان فعلاً إذا قلت له أنا مسكين يطعمك لوجه الله.. كان من الطبيعي لعدم شفافية الناس أن ينهار المشروع.. لكن فكرة الرجل كانت نبيله يجب أن لا تضيع..

حقيقة لقد فوجئت معكم بأن الفكرة استحقت التنفيذ بحماس كبير.. نتمنى أن يستمر الحماس.. من أخوات نعمات و أميرة.. يسهمن معنا.. لا أدري هل هي محض صدفة التي جعلت المتحمسات من بنات حواء.. أم لأنهن «ياهن ديل نسوان السودان»..
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]