رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي استقبلته دول العالم بموجة حزن غامرة، لم يمر كحدث عارض بالسودان، في الحقيقة كان هو حديث الأسافير، نعاه الكثيرون كما ينعون آباءهم، سيما أنه رجل ظل مبذولاً للخير – على الدوام.. مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بحزنها الخاص وناءت بموادها الأسافير. الخرطوم كانت وفية للرجل، وكذا الحال بالنسبة للحكومة، فقد أصدرت أول بيان نعي للملك عبد الله، وهو بيان يشف عن محبة صادقة تجاه الراحل، البيان توسم في محاسن الملك عبد الله أجلاها، ووصفه بأنه فقيد الأمة العربية والإسلامية، وقد ظل مبادراً وداعما لقضاياها والقضايا الإنسانية – على العموم – وتطرق إلى شجاعاته ومواقفه الشامخة، بالطبع لا يمكن أن يغفل البيان أن عبد الله كان راعياً للعلاقات الأخوية الحميمة بين السودان والسعودية وهو كذلك بحسب ما عبرت عنه الحكومة.. المهم في الأمر أن العلاقة بين الخرطوم والرياض بالمنظور الاستراتيجي لا يمكن أن تتأثر برحيل الملك عبد الله، بل سوف تزدهر من كل النواحي لصلاة طيبة وخاصة تجمع بين الرئيس البشير والملك سلمان.
ثمة مراقبون استنطقتهم (اليوم التالي) تحدثوا عن أن صدور البيان مبكرا يؤكد عمق العلاقات السودانية السعودية المتينة، والتي تمتد إلى عهود بعيدة، وهو تعاون مثمر وخلاق، علاوة على ذلك فقد ظل الشعب السعودي هو الأقرب للشعب السوداني في عاداته وتقاليده، ويكفي وجود جالية كبيرة في السعودية تنعم بالتقدير والإجلال والسمعة الطيبة، كما أن المملكة – وهو أمر يصعب إغفاله – ظلت داعمة للسودان في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدين أن الملك عبدالله كان صديقا للسودان وظل يحرص على تطوير العلاقة مع السودان دون كلل.. وبالنسبة لمستقبل العلاقات بين البلدين في عهد الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز، فهنالك من يتوقع أن يشهد عهده استمرارا لذات نهج الملك سابقه، وتطويراً أكثر، وربما تشهد العلائق ازدهاراً في ملفات التعاون المشتركة، فضلاً عن أن جلوس سلمان على كرسي الملك سوف يدفع العلاقات بين البلدين بحكم صلاته بالرئيس البشير، وقد تبدت تلك الحفاوة أثناء زيارة الرئيس البشير إلى المملكة أكتوبر الماضي، وقتها كان في استقباله ولي العهد آنذاك بجانب الأمير مقرن بن عبدالعزيز ومحمد بن نايف الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية حينها، وطوت جلستهم ما كاد أن يتسبب في تدهور العلاقة، لكن حكمة الرجلين صوبت جهدها بعيداً من أجل المستقبل، مستقبل البلدين وحقوق الجيرة.. أثناء تلك الزيارة كان الرئيس يؤدي مناسك الحج، ويؤدي مهمة دبلوماسية رفيعة يمكن إدراجها تحت مسمى (الدبلوماسية الرئاسية) .
بالتطرق لهذه الزيارة التي وصفها الكثيرون (بالمهمة) يلاحظ أن الرئيس البشير والأمير سلمان استعرضا خلالها العلاقات بين البلدين وسبل دعمها. ووصف عبيد الله محمد عبيدالله، وزير الدولة بوزارة الخارجية، الذي كان مرافقا للرئيس حينها، وصف الزيارة بأنها تميزت بالصراحة والحميمية والأريحية، وقال إن الجانبين تبادلا الأحاديث الودية، وأكدا وضع العلاقات في مسار جديد يؤدي إلى تعزيزها، وأشار إلى أن الأمير سلمان أكد حرصه الشديد على استقرار الأوضاع في السودان واستعداد المملكة لدعم السودان في كافة المجالات السياسية، الأمنية والاقتصادية، وأكد أن علاقة البلدين تعتبر علاقة أشقاء قديمة وجذورها عميقة.. من خلال ما سبق من تطور بارز في مسار العلاقة، فإن التعاون بين الجانبين سوف يقفز إلى توحيد المواقف بخصوص القضية الفلسطينية وربما السورية، وكافة القضايا العربية والإسلامية من أجل المسارعة في حلها وإعادة الاستقرار للمنطقة، وهو تعاون يحفظ للسودان استقراره وللمملكة أدوارها المشهودة، الخرطوم لم تكتف بالبكاء على عبد الله والترحيب بسلمان وإنما امتد الترحيب بتعيين الأمير مقرن وليا للعهد.
لاستكناه مصير العلاقة بين السودان والسعودية خلال المرحلة المقبلة، حاولت (اليوم التالي) تلمسها في الدوائر الدبلوماسية، المعنية أكثر بتطورات الأوضاع الخارجية.. السفير عبدالحافظ إبراهيم، سفير السودان بالمملكة العربية السعودية، والذي كان على اتصال دائم طيلة الفترة الماضية مع الملك سلمان، أكد استمرار سلمان في ذات النهج الذي كان يحكم به الملك عبدالله، وزاد أنه لن يكون هناك تغيير في السياسة الخارجية أو الداخلية، مشيراً إلى أنه كان قريبا من ملف العلاقات بين السودان والسعودية عندما كان أمير إمارة الرياض باعتباره أول من بدأ برامج التدريب والوقوف على التجربة السعودية وتخطيط المدن والنظافة، وقال إن سلمان كان كثير الاهتمام بمسألة الاستثمارات في السودان وتهيئة المناخ له، بجانب تركيزه أن تكون هناك شراكة مع القطاع الخاص للمشاريع، وذهب الحافظ إلى أن تعزيز الاستثمارات السعودية في السودان ستكون من أولويات الملك سلمان خاصة في مجال توفير الأمن الغذائي، مشيرا إلى انعقاد الملتقى الاقتصادي الاستثماري في الخرطوم خلال النصف الأول من العام الجاري.
أما على الصعيد السياسي، فقد توقع سفير السودان بالمملكة العربية السعودية أن يعزز الملك سلمان نهج التوافق والتشاور الذي كان قائما في القضايا التي تتعلق بالتصدي لظاهرة الإرهاب ومسألة التطرف، مؤكدا أن سلمان سيبذل مافي وسعه لتعزيز التعاون مع السودان، متوقعا انعقاد العديد من المؤتمرات بالخصوص وأن تشهد الفترة المقبلة حركة تبادل بين المسؤولين.. وقال الآن المملكة تجري استعدادها لانعقاد الدورة الخامسة لاجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة في الخرطوم في أقرب وقت ممكن، عبدالحافظ قال أيضاً سيكون التركيز على القطاع الاقتصادي وتشجيع الاستثمار السعودي بجانب تقديم مزيد من الدعم في ذلك، إضافة إلى تمويل المشاريع التنموية في السودان، وأشار إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تكاملا بين البلدين لنظرة المملكة للسودان كدولة لها الأولوية في تأمين الأمن الغذائي من حيث القرب الجغرافي وواقع البيئة، ووصف عبدالحافظ الملك سلمان بأنه (رجل ذو قدرات وخبرات عالية وأنه كان قريبا من الملوك السابقين).
حسناً.. يبدو أن نبرة التفاؤل في الخرطوم تتسع، الرياض هي الأخرى تمد يدها بيضاء للخرطوم، هو عهد جديد يسمو بالعلاقة ولربما تشهد المرحلة المقبلة تطورا وتقدما في علاقات البلدين في كافة المجالات أكثر من قبل، لأن الملك عبدالله بدأ هذه المسيرة التي بدورها ستجد الدعم الكامل من قبل الملك سلمان والأمير مقرن ومحمد بن نايف لدعمها اللامحدود والذي لم يتوقف منذ زمن طويل وسيتواصل إلى زمن طويل آخر
اليوم التالي
خ.ي
