لوح الإمام: عام بالتمام والكمال على إعلان انطلاق مشروع الحوار الوطني في السودان يضع تساؤلاته: هل عبرنا؟ أم ظللنا وقوفاً عند محطات التضاد

محاطاً بابنه ومتدثراً بدعوته (السلمية) يلج إمام الأنصار الصادق المهدي قاعة (الصداقة) ملتزماً بالدعوة التي وصلته من رئاسة الجمهورية للمشاركة في الحوار الوطني.. ومنتظراً مع الآخرين واقعا جديدا في البلاد التي أرهقتها المشكلات. لكن الإمام يبرز في مايو بصورة مغايرة عن تلك التي ظهر فيها في يناير من قاعة الصداقة إلى محبسه في كوبر ثلاثة أسابيع من الاعتقال ترسم مشهداً جديداً بين الأمة والوطني، ومؤكدا موقفا جديدا للأنصار مما اصطلح على تسميته بعملية الحوار الوطني أو (الوثبة). يقفز المهدي من سفينة حوار الداخل ميمماً وجهه شطر مصر ومنها إلى باريس حيث وقع مع الجبهة الثورية ما أطلق عليه ميثاق باريس، لكن باريس نفسها تهبط أديس أبابا بمعية رئيس حزب الأمة ليطلق عليها في هذه المرة ميثاق نداء السودان الذي أنتج معتقلين جدد ومواقف متباينة . السابع والعشرون من يناير عام بالتمام والكمال على إعلان انطلاق مشروع الحوار الوطني في السودان عاماً يضع تساؤلاته أمامه.. هل عبر الجميع إلى محطات جديدة.. أم أن الوقوف في محطات (التضاد الأولى) علينا هي المكتوبة.؟

كان المهدي ليلتئذٍ يردد نص عاطف خيري: (المقعد الخالي مدان) وذلك حين حضور لافتة أحزاب الإجماع الوطني وغياب أصحابها من القيادات السياسية لتلك الأحزاب . بعد عام الآن من إعلان الوثبة يظهر الإمام الصادق المهدي في المحروسة وفي سفارة المملكة العربية السعودية معزياً في وفاة خادم الحرمين الشريفين . لكن في الوقت نفسه فإن والد مساعد رئيس الجمهورية يرفع يده بالفاتحة على الحوار الوطني في السودان وهو ينعته بأنه مات وشبع موتاً . المهدي يرجع أسباب التراجع في عملية الحوار الوطني إلى سياسات الحزب الحاكم وانقلابه على العملية السلمية برمتها ولعدم جديته في إنجاز مشروع سلام سوداني سوداني .

قراءة الوثبة بعد عام من إعلانها تتم من خلال تتبع قفزات حزب المهدي ومواقفه، فقد كان الرجل الذي وصفته قيادات الوطني بحكيم الأمة من أشد الداعمين لمشروع الحوار الوطني في بدايته لدرجة أنه تحمل رياح الاحتجاج الشبابية في حزبه وهو يخاطب الشباب بالقول إنني أري ما لا ترون. يحاول تجاوز ما أسماه حدوث الصوملة في الحالة السودانية حال تم الاستمرار في عمليات المواجهة السياسية وفقاً لطابع المواجهات العسكرية .

لكن قبل يومين من ذاكرة بدء الوثبة تخرج صحف الخرطوم بمطاردة الانتربول للمهدي ومناوي عقب توقيعهما لتحالف سياسي صنف بأنه من الجرائم الموجهة ضد الدولة والتي يجب معاقبة من يقوم بها . الخبر الذي تم تسريبه عبر مصادر مقربة من السلطات سرعان ما تم نفيه من قبل وزير العدل محمد بشارة دوسة الذي نفى أن تكون أجهزة وزارته قد شرعت في مثل هذا النوع من السياسات رغم قانونيتها. المهدي الذي كان مصدر تعزيز لعملية الحوار الوطني في بدايته انطلاقاً من تأثيره السياسي والدولي بات في الطرف النقيض من العملية، فبعد مغادرته البلاد واختياره الطرف الآخر في تحالف المواجهة بغض النظر عن موقفه من استراتيجية التغيير العنيف ومغادرة حزبه لآلية الحوار الوطني واستبداله بحزب العدالة الذي تم إبعاده أيضاً من الآلية لاحقاً .

يقول القيادي بقوى الإجماع الوطني وأحد المقاطعين للحوار الوطني إنه بعد مرور عام من بدء عملية الحوار الوطني ما يزال الجميع يقف في ذات محطة الاختلاف الأولى.. الجديد فقط هو زيادة حجم التحالفات السياسية في الساحة فبعد أن كان تحالف المعارضة في مقابل تحالفات الحكومة بات تحالف المعارضة في مقابل تحالف الحكومة وتحالف الحكومة في مقابل تحالف المعارضة للأحزاب المحاورة وتحالف الأحزاب المحاورة في مقابل تحالف الأحزاب التي غادرت طاولة الحوار الوطني . يضيف الأمين السياسي للحزب الوحدوي الناصري، ساطع، بأن المعقد ازداد تعقيداً . وهو أمر ربما يغير مسار الاستفهام أيهما الأحق بالإدانة صاحب المقعد الخالي أم صاحب المقعد المغيب بحضوره.؟

الوثبة برسم مشاركة المهدي وبعد مرور عام على إعلانها تبدو وكأنها قفزة في الظلام.. ومن الصعوبة بمكان الحصول على نور الاستقرار في نهاية نفق اختلافاتها.. هكذا ينعت الإمام العملية الحوارية في السودان حين يقول بأنها ماتت وشبعت موتاً وهي أمور تمنطق عملية بحثه عن الحياة السياسية في مشاهد أخرى دفعت به نحو قيادات الجبهة الثورية وأعادت علاقة حزبه السابقة بقوى الإجماع الوطني .

الوطني لم يكن ليتفرج على مواقف المهدي الذي تنصل من اتفاقه السابق معهم وسرعان ما كال له الاتهامات عبر وسائل الإعلام ورفع من حدة المواجهة بين الطرفين بالقول إنه لا سبيل لعودة الإمام للملازمين إلا بالتحرر من اتفاق باريس الذي مهره، وهو أمر يتطلب بالضرورة التنصل من الجبهة التي تحمل سلاحها.

بعد عام من الوثبة ومن قفزات المواقف بالنسبة لإمام الإنصار لم ينقطع حبل الود تماماً، فالجنوب أفريقي ثابو أمبيكي ما زال يحلم بعودة المياه لمجاريها وهو يتقدم بوساطة للعفو عن المعتقلين ومن أجل عودة الصادق المهدي للبلاد . فهل ينجح الرجل في إكمال السبعة المنقوصة أم أن الأمور ستزداد تعقيداً.

اليوم التالي

Exit mobile version