عقودات منفية
لم يكن الأمر يحتاج إلى بيان توضيحي من سفيرنا إلى مملكة البحرين ينفي فيه أن المملكة طلبت توظيف سودانيين في الشرطة والجيش البحرينين، ويحذر المواطنين بعدم التعامل مع من يروجون لهكذا عقود حتى لا يقعوا ضحايا لمن أسماهم بالمحتالين، واعتبر السفير محمد عثمان أن ما يشاع حول هذا الموضوع محض شائعات لا أساس لها من الصحة.
قلت لم يكن الأمر يحتاج أن يتكبد هذا التوضيح مشقة (الصدور) في المنامة البعيدة، لو أن الجهات المسؤولة هنا في الخرطوم تؤدي عملها على نحو مسؤول، فليست مهمة السفارة أن تصدر مثل هذه البيانات، بل مهمة وزارتي العمل والسياحة كل من جهة اختصاصها، فمثل هذه الوظائف التي تحتشد الصحف بإعلاناتها كان يبنغي أن لا تذهب إليها إلاّ وهي (مختومة) من وزارة العمل، فلا يُمكن لكل من هب ودب ممن وصفهم سعادة السفير بالمُحتالين أن يُعلن عن وظائف على صدور ونحور الصحف على نحو دقيق و(روتيني) وبلغة ديوانية رسمية على نحو من: (توجد فرص تجنيد عساكر بدولة البحرين وفق الشروط الآتية : العمر: من 18 30 سنة، التدريب شهران/ توفير سكن + علاج +معيشة ترحيل/ قيمة العقد الكلي ما يعادل 16 ألف جنيه سوداني). ثم نأتي لنحذر المواطن من مغبة الوقوع في براثن (الحرامية).
لماذا لا تشترط وزارة العمل على معلني الوظائف (الجهات) الداخلية والخارجية أن لا تعيين يتم إلا بموافقتها وتحت خاتمها الرسمي، وبالتالي فإن الإعلان عن أي وظائف عبر وسائل الإعلام أو (بورد) مكتب العمل يعد أمراً رسمياً بموافقة السلطة، ودون ذلك فإن من يعلن عن وظيفة يقع تحت طائلة القانون.
على أي حال، علىّ أن اتفق مع السفير أن هناك عقوداً مضروبة في سوق العمل الخارجي على وجه التحديد، لكنني على أيضاً أن أهتبل هذه السانحة اهتبالاً مرجعياً لأنوه أن سودانيين كثر عملوا في كل دول الخليج فيما عدا السعودية واليمن، والبحرين ليست استثناءً إن لم تكن في مقدمة الركب الميمون- كجنود وضباط في الشرطة والجيش والتحقيقات الجنائية على مدى عقود طويلة ولا زال بعضهم على رأس العمل.
لكن وفي حالة البحرين الراهنة، أصبح شغل مثل هذه الوظائف الأمنية إن صح التوصيف أمر بالغ التعقيد، فعدا أن أهم شروط شاغلها هو أن يكون بحريني الجنسية وهذا شرط حديث نسبياً فإن التوازن الديمغرافي بين الطائقتين الكبيرتين هناك يجعل إعادة النظر في تسكين سودانيين في مثل تلك الوظائف ومن ثم تجنيسهم أمراً ملحاً وضرورياً، لذلك على الجهات المسؤولة هنا رفض هذه الوظائف بصيغتها الحالية كليةً، بدلاً عن الالتفاف عليها ببيان دبلوماسي.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي