الشرطة.. ما لا يحتاج إلى إثبات
كانت وما زالت رواتب الشرطة مثالا للتندر، فتظاهرات السبعينات كانت تهتف (يا بوليس ماهيتك كم؟ ورطل السكر بقى بي كم؟). عندما طلب منسوبو الشرطة من الرئيس السابق جعفر نميري رفع رواتبهم لتكون مساوية للقوات النظامية الأخرى قال لهم (إنتو ما قاعدين تلقطوا) ولكن النائبة البرلمانية سامية هباني قالتها بالمفتشر الصريح ومن داخل قبة البرلمان إن ابنها تعرض لعملية رشوة من شرطة المرور، فرد عليها إبراهيم محمود الذي كان وزيرا للداخلية مستنكرا قولها ومدافعا عن الشرطة، ولكنه عاد وقال: ارفعوا رواتب الشرطة وساووهم بالجهات العدلية والنظامية الأخرى حتى لا يلجأوا للرشوة.
لا نحتاج إلى كثير لجهد لإثبات الدور الحيوي والخطير الذي تقوم به الشرطة في حماية أمن البلاد والعباد ولا نحتاج إلى كثير جهد لإثبات أن الشرطة السودانية لها تاريخ ناصع في الانضباط والتفاني؛ أما التجاوزات الفردية فلا حكم لها وهي موجودة في كل المهن، ولكن من أراد أن يرى الظلم الواقع على الشرطة والمتمثل في ضغف المرتبات فليقرأ التحقيق الجريء المتكامل الذي نشرته هذه الصحيفة في 11 يناير الجاري للأستاذة الصحفية النابهة هاجر سليمان؛ ذلك التقرير الذي أورد ضعف الرواتب بالأرقام وأثر ذلك في التسرب الكبير الذي يحدث في قوات الشرطة؛ ففي العامين 2012 و2013 تساقط من الخدمة 34 % من الأفراد و42 % من الضباط (وبرضو تقول لي رشوة؟) شرطة العمليات انخفض عدد منسوبيها إلى النصف تماماً أي مهنة في السودان يتساقط أفرادها بهذه النسبة العالية؟ إنه ناقوس خطر.
لا نحتاج إلى كثير جهد لإثبات أن وظيفة الشرطة اليوم لم تعد كما كانت عليه بالأمس، فحتى وقت قريب كانت الخدمة الشرطية أقرب للمدنية، ولكن المتغيرات التي اجتاحت البلاد جعلت الخدمة الشرطية (موت أحمر)، بسبب التهريب وما يلحق به من ابتزاز، والمخدرات وما فيها من ضرب نار الجريمة المنظمة وما فيها من مغامرات, الحركات المسلحة والحروبات الأهلية والإقليمية وما يتبعها من لجوء ونزوح، لا بل حتى دور الرياضة أصبحت تسيل فيها الدماء ويعلوها دخان البمبان. لم يعد الشرطي ذلك المتسكع الذي يسير في الشارع مثله مثل بقية خلق الله، لا بل أصبح عليه أن يسير حذرا ومترقبا وأحيانا يضطر لحمل روحه بين يديه وهو يؤدي وظيفته، فالشارع لم يعد الشارع والجريمة لم تعد الجريمة، فانتبهوا يا أولي الأمر للشرطة.
نلحظ بقليل من الرضا ولكن بكثير من العشم المجهودات التي تقوم بها الإدارات المتعاقبة للتغلب على أوضاع الشرطة كإنشاء التعاونيات لتوفير الحاجات الضرورية بأسعار مناسبة، وإنشاء المساكن وتحسين أوضاعها لتوفير السكن المناسب للأفراد، وتوفير الترحيل بقدر الإمكان، كما نلحظ بكثير الرضا إحساس المجتمع بالظلم الواقع على الشرطة، ويظهر هذا في فضل الظهر وغيره، ولكن الثابت أن كل هذه مجرد مسكنات بدليل التسرب الكبير المشار إليه أعلاه، والانجرار للخطأ لمقابلة متطلبات الحياة، فالحل يكمن في زيادة الرواتب وإعطائهم ما يبقيهم في الخدمة، وما يحميهم من الانحراف؛ فالشرطية ليست مثل الوظائف الأخرى لأن أمن وحياة البلاد والعباد يتوقف عليها، فمن غير المعقول أن يكون مساعد الشرطة الذي أمضى 27 عاما في الخدمة مرتبه 750 ج (سبعمائة وخمسين جنيهاً فقط)، فإلى أن يتم رفع الظلم والحيف الواقع على الشرطة، ينبغي أن يحظ الشرطيون باحترام وتقدير كل فئات الشعب الأخرى، عسى ولعل أن يكون في ذلك تخفيف عليهم وباعث للاستمرار في الخدمة التي فيها أمننا وحياتنا.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]