حوارات ولقاءات

عبد الرحيم حمدي: لست مجنداً للرأسمالية الغربية…!!

[ALIGN=CENTER]618200930318AM2[/ALIGN]

رجل ملأ الدنيا وشغل الناس اقتصادياً وسياسياً.. وهو رجل عالم وموسعي..ومثير للجدل.
بدأ صحافياً وكاتباً.. ودرس الاقتصاد بجامعة الخرطوم.. شغل مناصب عليا خارج الوطن وفي مصارف عالمية.. اول من ادخل سياسة السوق الحر في الاقتصاد السوداني.. والتي اثارت الكثير من الجدل وسط اهل الاقتصاد والمال.
وعبدالرحيم حمدي الخبير الاقتصادي العالمي ووزير المالية الاسبق..رجل ممتليء ثقة بنفسه.. وبعلمه.. وبقدراته.
وهو من وزراء المالية الاكثر حرصاً على المال العام.. حتى ان احد الظرفاء قال لا ادري كيف كنا نعمل مع عبدالرحيم.. ان كان اسمه عبدالجبار. عبدالرحيم حمدي نشأ في اسرة متدينة ومستنيرة.. ومن صفاته اللافتة انه صاحب قرار.. ويملك قدرة كبيرة على اتخاذ القرار مهما كانت درجة صوابه أو اعتراض قلة من الناس عليه، للرجل صبر لافت.. وقدرة هائلة على الحوار وهو صاحب صدر واسع.
لمدة ثلاث ساعات كنت في حضرة الاستاذ عبدالرحيم حمدي.. استمتعت كثيراً بالحوار معه واستفدت كثيراً من معلوماته ومن علمه ستبحرون معه في سبع حلقات ممتعات.
شكري لاستاذنا عبدالرحيم حمدي للتحدث والاستجابة.. ولصبره الطويل واستعداده الذي لا حدود له.. نسأل الله له الصحة المستدامة.. والعطاء المتواصل.
—–
أستاذ عبد الرحيم بعد أن استقر النظام بدأت تظهر القيادات الأولى للحركة الإسلامية وفي مقدمتها عبد الرحيم كوزير للمالية، ما هي الحيثيات التي جعلتكم تغيبون عاماً أو عامين لتأتوا بعدها؟
لم أكن في ذلك الوقت جزءاً من الحركة الإسلامية المنظمة، وطلب مني أن آتي للوزارة أكثر من مرة وأعتذرت، وأخيراً أرسل لي د.الترابي عوض الجاز الذي أتى تحت ستار أنه نائب مدير بنك الشمال ويريد تسهيلات من بنك البركة، وأخبرني بوضوح أن د.حسن يقول إننا نعرف طريقتك في العمل ونرجو أن توافق على الأمر، وكان المقصود الإلتزام التنظيمي، واستخرت الله، وكان ذلك بالنسبة لي خسارة مالية كبيرة جداً، لكن لم يكن ممكناً أن أرفض ذلك الطلب الذي تكرر، وأتفقت معهم على العمل، هذه هي الفترة الأولى التي حاولوا أن يأتوا فيها بأناس لا تتضح فيهم الخلفية الإسلامية، وعملياً عندما أتيت كانت هناك محاولة جادة جداً لإدخال عناصر غير إسلامية، تشريعية على الأقل في مجلس الشورى، ومجرد اسقاط بعض الإسلاميين كان محاولة لاستقطاب آخرين واستمر إدخال أشخاص كسبدرات وغيره.
بعد مدة من الإنقلاب ؟
هو كان وراء إدخال كثيرين.
هل كان الشيخ خلف ضم سبدرات؟
لا، كانوا يتداولون الأمر في المجلس ويكلفون بعض الناس.
س: نعم لأنه قال جملة شهيرة…؟
وشدو..هؤلاء علاقاتهم به قديمة منذ حنتوب وعهد نميري وكان يحدث تشاور حولهم في محاولة توسيع لمجلس الشورى، وعندما جئت لم أكن عضواً منظماً في الحركة الإسلامية، استقلت مرتين من الحركة الإسلامية الأولى بعد أحداث الجزيرة لأنني رأيت أنهم يجب أن يدخلو مع نميري، ورفضوا هذا الاتجاه ولجأوا إليه بعد بضع سنوات، لم أكن عضواً منظماً بالطريقة التقليدية عندما قام انقلاب 30 يونيو، لكني كنت في إطار الحركة.
متى استعدت عضويتك؟
لا توجد إستعادة للعضوية بالشكل التقليدي في الحركة الإسلامية وهذا أحد حسناتها، أن الدخول إليها والخروج لم يكن منظماً بطريقة الشيوعيين، تعتذر وتدخل ويحدث تقييم، حدود الحركة الإسلامية هنا فضفاضة، المرة الثانية كانت منذ وقت قريب في عهد الإنقاذ نفسه، لكنني تعاونت أيضاً بعدها، ولا أعتبر الإستقالة التنظيمية مهمة في حد ذاتها، وكما قلت لك، قالوا لي أنهم يعرفون طريقتي في التعامل والإلتزام التنظيمي، ولذلك تعاونوا معاً بصورة جيدة إلى أن حدث خلاف حول بعض السياسات منها سياسة التسعير الإداري للدولار، ولذلك إستقلت في أواخر 93، وأعتقد أن رأيي كان صحيحاً، ولجأوا إلى نوع من التحرير المدار للعملة، لكني كنت أرى التحرير الكامل لها، وأن العملة في يد الموظفين في المالية أو بنك السودان أو لجنة العملة أو سوق الأوراق المالية يفضل أن تترك لاحتياجات السوق وتحدث تدخلات مؤقتة فقط، ولا يزال هذا رأيي.
أين كنت عندما تم تعيينك وزيراً للمالية؟
كنت في بنك البركة في لندن.
يقول المراقبون إنكم جئتم تمثلون الرأسمالية الغربية، وأتيتم بحرية السوق، أي منع الدولة من التدخل في الأسعار، وسماها بعض الإقتصاديين يهود السوق، على ماذا بنيت نظريتك الإقتصادية في دولة متخلفة إقتصادياً كالسودان؟
أولاً هي ليست نظريتي أنا، لكنني استمدها بحكم ثقافتي وعلمي من الفكر الإسلامي، وكان لدي رؤى وطرحتها قبل أن أصبح وزيراً بثمانية أشهر، في المؤتمر الاقتصادي في أكتوبر 89، وطرحت محاضرة فيه وانعكست هذه الرؤية في البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي، وعندما طرحت البرنامج حصل حوله نقاش وتم تبنيه رسمياً داخل الحزب من كل الهيئات، وافق عليه مجلس قيادة الثورة الذي كنت أجلس معه وأشرح البرنامج، وكل الأطر العمالية والفكرية والأمنية، وبعد تبنيه أصبح برنامج ثورة ولم يكن له علاقة بالرأسمالية الغربية، ولم أكن مجنداً للرأسمالية الغربية، البرنامج كان عملياً لكنه كان يستمد أصوله وتوجهاته الفكرية من الفكر الإسلامي بلا شك، وحرية السوق توجه إسلامي أصلي مكملاً بالجانب الاجتماعي ونظرية التكافل، ولدي في ذلك ورقة قدمتها في معهد التنوير المعرفي، وأنا مؤمن بأنه لا يوجد نموذج واحد يدعى النموذج الإسلامي، لكن التطبيق الإسلامي للموجهات الإسلامية يختلف من زمن إلى زمن ومكان إلى مكان، والبرنامج كانت تحكمه ظروف السودان، كانت الدولة ضعيفة، وكان لابد أن تخرج من العملية الاقتصادية التي دخلتها في الأصل قسراً في زمن نميري محاكاة لما حدث في مصر من تأميم ومصادرات، وفشل ذلك لاحقاً، فكان لابد أن تنسحب الدولة من العملية الاقتصادية إذ لم تكن تمتلك لها المقدرة ولا الموارد، وذلك موقف عملي وليس أيدولوجي، والأصل في العمل الاقتصادي الإسلامي في تقديري هو الحرية، على ألا تكون على حساب الضعفاء والمساكين، أنا لم آت بنموذج رأسمالي واعرف أن السودان ليس دولة رأسمالية، لكن النموذج الذي كان معروفاً في السودان وهو اشتراكية الدولة ليس نموذجاً سودانياً بل صنعه نميري، ولم يضعه على أسس أيدولوجية أيضاً، صحيح كانت هناك موجة القومية العربية والتأميم والمصادرات، كانوا يعتقدون أن التأميم سيحل مشكلة الموارد وأن الشركات لديها أموال كثيرة جداً، وجمعوا رؤوس أموالها واعتقدوا أنها ستحل لهم المشكلة الاقتصادية، وكانت هذه نظرة قاصرة، موقف نميري كان عملياً إذا وموقف الإنقاذ كذلك، وأعتقد أن البرنامج نجح لأن أهم ما فيه لم يكن حرية الأسعار بل الاعتماد على الذات، وهو برنامج مؤسسي تعتمد فيه على مواردك الخاصة، مثلاً المغتربين، وذلك لم يكن ممكناً إن لم نقدم الأسعار الحقيقية لذلك حررنا العملة، ولكي تأتي التحويلات للدولة كان لابد لها أن تعلن قيمتها الحقيقية، حولت لها قرابة 480 مليون دولار على مدار عامين من المغتربين، وليس من السوق الأسود، وأنقذنا بها الموقف العسكري والمجاعة، كان لدينا مجاعة هائلة جدا واستوردنا كمية هائلة للغاية من القمح في أول سنوات الإنقاذ.

تأميم نميري، هل تعتقد أنه أحد الأسباب التي أضعفت الاقتصاد السوداني؟
مؤكد، أولاً كثيرون مضوا، كل القوى الاقتصادية في ذلك الوقت، وصحيح أنها كانت أجنبية، شوام وأقباط، والوطنيين الذين كانوا في تحالفات معهم، والاستثمارات التي أتت عقب ذلك كانت الاستثمارات الرسمية، أقاموا حينها الهيئة العربية والمنظمة العربية، أما القطاع الخاص فقد هرب بكل أمواله، ولذلك عندما جئنا للخصخصة كان القطاع الخاص ضعيفاً جداً ولم يستطع أن ينافس.
أستاذ حمدي، بعد أن تركت الوزارة بدأت في إنشاء بنك الاستثمار، في ماذا يستثمر هذا البنك؟
يستثمر في كل شيء، آليات الحصول على المورد هي التي تحدد، إما بودائع استثمارية، أو بسندات أو مشاريع خاصة، هو ليس بنكاً تجارياً تأتيه الأموال ويبحث لها عقب ذلك عن مشاريع، على العكس تأتي المشاريع أولاً ثم يبحث لها عن موارد ويعمل بآليات الاستثمار وهي الصكوك والسندات والمساهمات الرأسمالية، وهذه آلية كانت موجودة بالخارج ولم تكن هنا، هذا أول بنك استثماري في تاريخ السودان، والدافع الرئيسي للبنك بالنسبة لي هو إنعاش البورصة، لأنه عندما قامت البورصة في 94 وكلفوني بها دون مشورتي، قامت في مناخ تشدد نقدي، قامت ميتة ولم يحدث تداول فقلت لهم يستحسن أن نقيم بنكاً يمدها بالسيولة، ودعمها بنك السودان ووزارة المالية وتفهموا مقاصدها، ولم يستطع البنك أن يقوم بهذا الدور في سوق الأوراق المالية،أن يقوم بعمليات الاستحواذ وإعادة الهيكلة وضخ السيولة.
كنت صحفياً، هل ما زلت تنظر للأحداث السياسية والاقتصادية بعين الصحفي أم بعين المصرفي أم بعين رجل الأعمال الذي يريد أن يستثمر؟
بها كلها، وحين أقرأ خبراً أسأل عما وراء الصياغة إذ يمكن أن يكون من نوع الدعاية السوداء أو الدعاية المقصودة، وهذه الناحية الصحفية، وأقرأ الخبر من ناحية انعكاسه على جو الأعمال والاستثمار، أقرأه من أكثر من زاوية.
الإذاعة الاقتصادية احدي أفكار عبد الرحيم حمدي المدهشة، ما القصد منها؟
القصد منها تحسين الخطاب الاقتصادي، وأصبح هناك وعي أن السياسة هي عملية اقتصادية، إذا لم يصبح هم السياسي تحسين معاش الناس فليس هناك برنامج آخر، أتينا بالاستقلال فما الذي سنفعله بعد، الدولة المستقلة يجب أن تبني نفسها، هي توجيه وتحسين لخطاب الاقتصادي، وجزئياً تحويل العملية الاقتصادية إلى عملية مكشوفة وليس عملية قطيعة، وهذه لم ننجح فيها، هناك أشياء كثيرة تحدث ويجب أن تسلط عليها الأضواء، إستراتيجية خاطئة في مؤسسة، وهكذا، الإذاعة أرهقتنا مادياً وكان يجب أن تعتمد على الإعلانات لكنها لم تكن بالحجم المطلوب، هناك منافسة غير موضوعية بنزول أسعار الإعلانات، الصحافة الورقية انتشرت انتشاراً كبيراً رغم أن معظمها لا يستطيع جذب الإعلانات، كما أن ثقافة الإعلانات في السودان، وفي الشرق العربي كله ضعيفة، وعرضت على جهات كثيرة جداً أن تشاركنا في الإذاعة دون التأثير على استقلالية خطنا التحريري لكن ذلك لم يحدث بعد.
كنتم تتولون بيت المال السوداني، وهناك عنف في تحصيل الضرائب والزكاة حتى من المتعثرين، دون الاهتمام بالمردود الإنتاجي للمزارعين؟
المزارعين فقط.
أنا حددت المزارعين لأن الحديث كله عنهم؟
بالنسبة للمزارعين هي سياسات خاطئة، وأنا في المرحلة الأولى خفضت ضرائب الزراعة إلى واحد في المائة ثم رفعناها تماماً لكن الخطأ كان في مقدرة الولايات على الجبايات، اشترطنا عليهم إلغاء الضرائب الزراعية وعوضناهم مائة في المائة وخضنا معركة عنيفة، لكن ولايات كثيرة جدا أخذت التعويض وألتفت حول إلغاء الضرائب الزراعية، واعتقد أن ذلك خطأ تاريخي، فالزراعة تحتاج لاستثمارات كبيرة ومستمرة ولولا ذلك لما نجحت التجربة في الهند ولا في الصين أو البرازيل، وهي دول أكبر منا لناحية عدد السكان ونجحت في حل المشكلة الزراعية بينما نحن فشلنا، وفي فترة من الفترات عندما وصل التضخم مائة وستين بالمائة سقطت الزراعة تماماً من حسابات الدولة، صحيح أن الحرب كانت مستعرة وأعطيت أولوية في الصرف لكن الزراعة أسقطت، وكان ذلك أمراً مدهشاً للغاية، والعنف العام للضرائب سببه الربط، إن لم تحققوا هذا الربط لن تأتيكم الحوافز، وقلت ذلك في ندوة وقام ضدي مدير الضرائب السابق، أنت تضع أهدافاً معينة لكنك لا تربط الحوافز بالتحصيل، وظهرت قصة الربط في الفترة الأخيرة بعد نقص عائدات البترول ولقد شكوت لوزير المالية، هذا أمر فظيع، من الخطأ أن تقول إنك ستزيد الربط عن العام السابق وهو سيقع على رأس نفس الجهات.
صحيفة الراي العام