المعارضة طاسة وضايعة
كثيرة هي المواقف التراجوكوميدية التي تبذلها المعارضة وتتبرع بها للموطن المسحوق لتبدو أمامها رثة الثياب، بالية الحكمة، مفككة الفكرة، متيبسة الفكر، ومقطعة الأوصال، بعضها مواقف شخصية وأخرى تمارس ضمن المنظومات الحزبية التي تحت مظلة المعارضة.
بالطبع لا يحدث في أي بلد في العالم عدا السودان – أن يكون بعض أحد الأحزاب السياسية في الحكومة وبعضه الآخر في المعارضة، لكن هنا فالأمر صار وكأنه عادي تماماً، فالناظر للحزبين الطائفيين الكبيرين، لا شك أنه سيمسي ضاحكاً ويصبح باكياً، أما بقية الأحزاب فلا هي في العير ولا النفير إلاّ بمقدار ما يصدر عنها من زعيق ونعيق، ويا ليته كان كذاك الذي في تبدى من زمن ضارب في الزرقة والارتحال بين يدي قصيدة للصديق عبد القادر حكيم، إذ قال (خلِّ السيف يزعق، علّ البعض ينعق).
لكن نعيق المعارضة وزعيقها يُضرِّسْ ومن فرط (تضريسه) يجعلها تبدو وكأنها (طاسة وضايعة)، وهذا مثل شائع يضرب عندما تكون الأمور متداخلة وغير معروفة النتائج، وكل شخص يتصرف حسب هواه، دون العودة إلى مرجعيته الحزبية والتنظيمية.
بالطبع هذا ليس حصرياً على المعارضة لأن للحكومة شؤوناً أعظم وأجل، ولكنني هنا بصدد المعارضة، وعلى الحكومة أن تستريح قليلاً ريثما نعود إليها، وبالتالي نجعل لكل منهما سعيراً، ثم نتركهما (كل واحد بطلّق من ذراعه).
ولأن المعارضة أضحت كما أسلفنا طايسة وضايعة، فإن ما حدث بين كمال الجزولي وكمال عمر – من هرج يأتي في سياق بحثهما عن تلك الطاسة الضالة، وإن كان موقفي إلى موقف الجزولي أقرب، ليس لشيء أكثر من كون كمال عمر اعتبر توجيه النقد للترابي أمراً إداً، ومنكراً لا يقترفه إلاّ شيطان رجيم، ثم عمد بحسب الجزولي إلى تهديده بعبارات قل أن تطلق خارج أزقة الظلام، فاستخدم في حق الجزولي مستنكراً انتقاده للترابي، شتائم من وزن (الخفيف الرادح) مثل (ما بتساوي جزمتو، وشد حيلك وارجا الراجيك).
في المقابل لم يدّخر الأخير جهداً ليرد عليه التحية بأحسن منها، فبعد أن هوى على رأسه بـ(إنت ولد قليل أدب، أعلى ما في خيلك أركبو)، شبهة بالزعانف وأعلن على الملأ أنها عندما تأتي لتهاجمه سيضربها على رأسها.
أي معارضة هذي، التي تهزئ كمحموم وتتبادل الشتائم المقذعة عبر الندوات المفتوحة والهواتف الجوّالة، ثم تنتقل بها إلى الصحف السيارة، بينما الجماهير تقف طوابير طويلة للحصول على قطعة خبر أو لتر وقود، إنها ليست معارضة وطاستها ضائعة، فحسب بل هي (طَلْطَميس، الما بعرف الجمعة من الخميس)، والطلطميس هو الضرير، فاقد البصر، وطموس القلب أعمى، وهو مثل يضرب لمن لا يمكن الاعتماد عليه في شأنٍ ولا تُرجى منه فائدة، ووجوده وعدمه سيّان. ولمن يخدعك مظهره وتأنّقه، وهو غير قادر على إدراك أبعد من أنفه.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي