«السودان وأمريكا».. بقاء المعونة والفرص الواعدة
شهدت العلاقات السودانية الأمريكية طوال السنوات الماضية، توترات كثيرة لم تقو الدولتان على معالجتها، ومن المعلوم انه منذ خمسينيات القرن الماضي بدأت علاقة أمريكا مع السودان بتقديم المعونات التي واجهت رفضاً من بعض القيادات الحزبية والنقابات في تلك الفترة، ولم تجد المعونة الأمريكية طريقها الى السودان في عهد الفريق إبراهيم عبود عندما فتح الباب واسعاً لاستقبال الدعم من «الصين والاتحاد السوفيتي وأمريكا» ما مكن الأمريكان من دخول السودان وتوصيل الإغاثة عبر شارع الخرطوم الجيلي الذي عرف بشارع «المعونة»، وفي حكومة الأحزاب وضعت استراتيجية لمحاربة الدعم الأمريكي بعد حرب «67» على فلسطين عندما أصدرت جامعة الدول العربية قراراً بقطع العلاقات مع أمريكا.
ويقول أحمد مالك مدير عام إدارة التخطيط بوزارة التعاون الدولي إن العلاقة بين البلدين ساءت في بداية الثمانينات، وظل السودان في حالة توتر وعقوبات متواصلة ساعد أمريكا لاتخاذ إجراءات تصاعدية وعقوبات متعددة عن طريق الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وفي نهاية الثمانينيات ساءت أكثر نسبة لوجود قانون يمنع الحكومات التي قامت عن طريق الإنقلابات، ورغم محاولات الحكومة السودانية وسعيها لتحسين العلاقة مع أمريكا إلا أنها بدأت في شد وجذب ولم تتحسن في الاتجاه العام ولم تسوء إلا في التسعينيات الأمر الذي نتج عنه تعرض السودان لعقوبات ومقاطعة اقتصادية وسياسية في مختلف المجالات وحظر استيراد حتى قطع الغيار لقطاعات السكة ا لحديد والنقل والخطوط الجوية والنقل النهري.
وأضاف: بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ساءت العلاقة أكثر باتهام السودان مباشرة بدعم الإرهاب حيث بذلت الحكومة جهوداً مقدرة في العمل الدبلوماسي والسياسي لنفي التهم، وسعت للتعاون في مكافحة الإرهاب مما ساعد في تحسن العلاقة حيث ظل ذلك التعاون مستمراً في مجال الإغاثة والمسائل الإنسانية قائماً، وشاركت أمريكا في إتفاقية نيفاشا وشريان الحياة وواصلت تقديم المعونات في المجال الإغاثي والإنساني بملايين الدولارات للجنوب فقط، والآن التعامل يتم في إطار مشكلة دارفور على أوسع نطاق، كما ظلت الوفود على أعلى مستوى تتبادل الزيارات، ونفذت العديد من الاتفاقيات في مجال المعونات والإغاثات عن طريق المنظمات غير الحكومية. وأضاف: الآن مع بداية الحقبة الجديدة ووصول أوباما الى الحكم ستشهد العلاقة تحسناً ملحوظاً بتحسن العلاقة ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بجانب أن هناك مؤشرات إيجابية بشأن مطالب الحكومة السودانية الخاصة بترفيع التمثيل الدبلوماسي على أن تكون بقيادة سفير بدلاً عن القائم بالأعمال. وقال أحمد إن الفرصة سانحة لمطالبة الحكومة السودانية بالشراكة الذكية في مجال البترول والصناعة والزراعة، واعتبر أن أفضل مجال للتعاون الآن هو الجنوب نسبة لوجود إتفاقيات ثنائية بأن لا تشمل العقوبات جنوب السودان، مما يؤكد ان الاتفاق مع الجنوب يحدث اختراقاً لتطوير علاقة امريكا مع السودان خاصة أن لأمريكا محاولات جادة لتحريك الملفات العالقة. في ذات الاتجاه اكد محللون قدم العلاقة بين البلدين التي بدأت بتقديم المعونات وتطورت تدريجياً وظهر ذلك في مجال السكة الحديد والطيران والنقل والتكنولوجيا.. وأن الفترة القادمة تحمل العديد من البشريات التي يجب ان تستغلها الدولة جيداً والاستفادة من التوجه القادم لمصلحة البلاد.
وذهب دكتور حسن علي الساعوري الى أن اهتمام أمريكا بالسودان ظهر بعد السلام وظهور البترول في الجنوب. وتقديمها للمعونة جاء تنفيذاً لقرار أمريكي بمساعدة جنوب السودان فقط ولا يشمل ذلك الخرطوم. لكنه يرى أنه في ظل وجود أوباما سيشهد الموقف تراجعاً في الغالب مع فتح الحوار الأمريكي السوداني، وأبدى الساعوري تفاؤلاً بأن تتطور العلاقات الاقتصادية مجدداً. وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الجاك احمد عدم وجود أية صلة للمعونة الأمريكية التي بدأت تضخ على الجنوب بالدعم الذي كانت تمنحه للسودان في الماضي لأنها مرتبطة بإتفاقية نيفاشا من أجل التنمية السريعة في الجنوب، وما يخص الماضي لم تتغير الظروف التي أملتها وما زالت هناك مقاطعة اقتصادية بصورة علنية أو خفية التي سوف تستمر ما لم يحدث تغيير في الواقع الذي فرضها، ويبدو أن هناك محاولات من السودان تهدف الى تخفيف حدة العوامل التي أدت الى إيقاف ا لمعونة سابقاً التي من المؤكد عودتها مرة اخرى بشروط مختلفة، وأضاف: حالياً هناك من المؤشرات ما يؤكد تغير السياسة في العهد الأمريكي الجديد بحكم تبني أوباما سياسة لا تعتمد على الضغوط. ولا شك أن الزيارة التي يقوم بها وفد الحكومة الى امريكا الآن ستسهم في تغيير الظروف، وتابع: اعتقد أن الفرصة متاحة للسودان ان يستغل اللين الأمريكي للاستفادة بمثلما يستفيد الجنوب.
إنتصار فضل الله :الراي العام