عبد اللطيف البوني

ألحقوا باقي العمر


[JUSTIFY]
ألحقوا باقي العمر

*بعد أن أطاح النميري بالشيوعيين جراء انقلاب هاشم العطا في 19 يوليو 1971، يقال إن أحد قادة الحركة الإسلامية، صادق عبد الله عبد الماجد، طالب بأن تغير الحركة موقفها المعارض للنميري، لا بل تقترب من النظام لملء الفراغ الذي خلفه خروج الشيوعيين، لأنها إن لم تفعل فسوف يتقدم آخرون لملئه، ورشح هذا بعد أن صالح الإخوان النميري فيما اصطلح عليه بالمصالحة الوطنية، التي قادها الصادق المهدي 1987 والتي كان صادق عبد الله معارضاً لها، لا بل خرج بسببها مع آخرين من التنظيم نهائياً.
*الشاهد في هذة الرمية هو أن السياسة كجزء من أمها الطبيعة لا تعرف الفراغ، فأي انخفاض جوي تتحرك الرياح من أقرب مرتفع لتملأه تلقائياً، ففي هذه الأيام يحدث في السودان القديم ما يشبه الفراغ السياسي، فالتغيير الوزاري الكبير الذي جرى مؤخراً غيّر التركيبة الحاكمة تغييراً كبيراً. لقد خرج بموجبه أكبر مركز من مراكز القوى في النظام, المركز الذي كان مسيطراً لربع قرن إلا قليلاً، لا يعني هذا أن الذين تسنموا المناصب المفتاحية في الدولة ليسوا من الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني: إنهم مثل جدودهم الذين انسحبوا أو سحبوا (جبهة ومؤتمر)، لكنهم من الجيل الثالث ذلك الجيل الذي تفتح وعيه السياسي على السلطة وليس على الحركة، جيل نظره مصوب نحو القصر وليس المنشية أو مقر الحزب أو وكر الحركة.
*وهناك مكون آخر من مكونات الفراغ، يتمثل في ضعف المعارضة الحزبية القائمة، فالشخصان اللذان يقودان المعارضة الآن، مع وافر احترامنا لهما، جعلا المعارضة قمة هرم لا قاعدة له، فرحيل نقد ووسطية الصادق وعين الترابي على حركته الإسلامية ومشاركة الميرغني في الحكم أحدثت فراغاً في كابينة القيادة المعارضة، فخلت من الزعيم الجماهيري أو الزعيم صاحب القاعدة الجاهزة، لذلك لن نبعد النجعة إذا قلنا إن هناك فراغاً سياسياً، فكل الموجود سلطة حاكمة تنتظر المعارضة قدراً ما لكي يزيحها ثم ليحدث ما يحدث.
*المطلوب من الحكومة ممثلة في رئيس الجمهورية تحديداً والمعارضة ممثلة في قادة الأحزاب؛ أن يستشعروا هذا الفراغ السياسي، فالسلطة المعزولة والوضع الخالي من المدافعة تتكلس عضلاته ويتجمد ويتآسن مثل الماء الراكد. الوضع السياسي محتاج إلى مشاركة جماهيرية حتى لا يصبح حكماً أتوقراطياً، وهو الآن كذلك يجر البلاد للمهلكة والفناء. تخطئ الحكومة كثيراً إذا ظنت أن هذا السكون وهذه اللامبالاة أمر مريح لها، إنه مقدمة لفنائها نفسها، إنه بداية الموت من الأطرف. وتخطئ المعارضة إذا راقتها عزلة الحكومة واستمرأت لعبة الفرجة، فالفرجة تشلها هي نفسها، ويقول العلماء إن أي عضو من أعضاء جسم الإنسان يكفُّ عن العمل مدة معينة سوف يفقد الفاعلية نهائياً ويموت، وإن ظل رسمه قائماً.
*إذن، يا جماعة الخير، مطلوب حراك من كافة الاتجاهات لملء الفراغ حتى لا تأتي عواصف من مكان أبعد فتقضي على ما بقي من السودان، فإذا استشعر الجميع ما ذهبنا إليه عليهم تناسي (تلك الأيام) ووضع الرجل في الساعة القادمة، إنها فرصة للجيل الذي لحّق السودان (أمات طه) لكي يكفر عن بعض جلائطه ويلحقوا بقية السودان مغنين مع الطيب عبد الله من كلمات الصادق إلياس: (وابتديت أفكر لعمري وألحق الفضل أجيبو, والله مسكينة المحبة تمشي لناس ما بتقدر).
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]