نجاحات «دوسة» من يعمل على إيقافها ..؟
عندما دفع رئيس الجمهورية، المشير عمر حسن أحمد البشير، بالمستشار السابق بوزارة العدل، مولانا محمد بشارة دوسة، إلى المقعد الأول في وزارته، كانت له تقديراته الخاصة، وتقديرات الأجهزة الحكومية المختصة في تقديم الرجل المناسب للمكان المناسب، ولم يكن دخول مولانا «دوسة» إلى الوزارة شاذاً أو غريباً أو «مستهجناً» من قبل زملاؤه المستشارين وبقية العاملين بالوزارة، فالرجل منهم وإليهم، لكن القيمة المضافة التي حملها مولانا معه إلى مكتب وزير العدل منذ انتخابات عام 2010م، كانت انتماءه إلى إقليم دارفور، الذي يعتبر الأكثر تعقيداً في جوانب الأمن والمؤسسات العدلية، وهو انتماء أصيل، معزز بتاريخ مجيد بالارتباط المباشر بجده الأعلى السلطان دوسة، أحد سلاطين دارفور الذين لازموا السلطان علي دينار حاكم دارفور، إلى أن أستشهد في معارك مقاومته لجيوش الغزو في العام 1916م.
قرب مولانا محمد بشارة دوسة من والده الذي شغل من قبل منصب نائب السلطان في الإدارة الأهلية، قربه من مشاكل دارفور، وتعقيدات الحكم والإدارة والتداخلات الاجتماعية، فبات أكثر فهماً لها بعد التواصل الفعلي مع تلك القضايا، حتى أن والده أراد له أن يكون إلى جانبه، بعد نجاحه في امتحانات الشهادة السودانية، لكنه استطاع بعد ذلك أن يقنع نائب السلطان بأهمية الاستزادة من العلم والمعرفة، وطلب منه أن يسمح له بدراسة القانون، وقد كان.
عرفت مولانا دوسة منذ سنوات عديدة، خلال عمله بوزارة العدل مستشاراً قانونياً، تعامل مع واقعه العملي بمهنية عالية، وكان على الجانب السياسي في الدولة وحزبها الحاكم، من أصحاب الرأي والاستشارة في قضية دارفور، ولعب دوراً كبيراً في تقريب وجهات نظر الفرقاء للاقتراب من ملف السلام، الذي كاد أن يعلوه غبار النسيان، في أضابير بعض الحركات المسلحة، وظل يقوم بهذا الدور حتى يومنا هذا، من منطلق مسؤوليته الأخلاقية تجاه وطنه، وتجاه الإقليم الذي ينتمي إليه ويعتز به.
قديماً قالت العرب إن أهل مكة أدرى بشعابها، لذلك ومن واقع متابعتنا للشأن السياسي العام، والشأن الدارفوري بصفة خاصة حيث أصدرنا ـ نحن مجموعة من الصحفيين ـ كتاباً صدر عن المركز السوداني للخدمات الصحفية، حمل اسم «دارفور الحقيقة الغائبة» وتمت ترجمته إلى الإنجليزية والفرنسية ـ اختفى الآن من الأسواق والمكتبات ـ من ذلك الواقع، ومن تلك المعايشة، نستطيع القول إن الكثير من تعقيدات الملف الدارفوري، كانت بسبب عدم المعرفة، وخطأ التقديرات عندما يمسك بالملف من هم ليسوا من أبناء دارفور، أو بسبب الطموحات أو الأطماع الشخصية عندما يكون الملف في بعض الأيدي الدارفورية أحياناً، لكننا على ثقة تامة بأن اقتراب مولانا دوسة من هذا الملف، بحكم خلفيته الدارفورية وعمق معرفته بقضايا الإقليم، والتعقيدات الاجتماعية فيه، وبحكم مهنيته العدلية، وبحكم اتساع رؤيته وربط مصالح دارفور بمصالح الوطن كله، فإن ذلك يعني أن خطوات الحل للأزمة القديمة المتجددة قد بدأت في الطريق الصحيح، وسعدنا للدور الذي قام به مؤخراً، ولا نعرف إن كان تكليفاً رسمياً أو مبادرة شخصية منه، لتقريب وجهات نظر قادة الحركات المسلحة، وبحث إمكانية تقريبها لوجهة النظر الحكومية، وكانت ثمرة تلك الجهود الصامتة، تجميع كل المبادرات في مبادرة واحدة، بدءاً من مؤتمر «أم جرس» انتهاء بالجولات الماكوكية التي ظل يقوم بها السيد صديق ودعة الذي أعلن قبل أيام أن ثمانين في المائة من الحركات المسلحة وافقت على السلام.
جهود مولانا دوسة مقدرة، وكل «حركة» من السيد الحاج صديق ودعة، فيها «بركة» لكن مفاجآت دارفور التي لا تنقطع تجددت في بيان أصدرته حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة، بقيادة الأخ بخيت دبجو، أعلنت من خلاله أن تنفيذ اتفاق السلام مع الحكومة تعثر، وأعلنت عن تعليق نشاطها في مكتب سلام دارفور من طرف واحد، وحمّلت الحكومة مسؤولية ذلك.
نعم.. مولانا دوسة هو وزير العدل، لكن ذلك لا يمنع أن يمسك بالملف الأخطر في ساحات العمل السياسي والاجتماعي والأمني في بلادنا.. ملف دارفور.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]