مفاجأة البشير.. “حزّر فزّر”
الانتقال بالساحة السياسية الداخلية إلى حالة (حزّر فزّر) والوعد بالمفاجأة التي لا نعرفها يجعلنا نشعر بأن الحكومة تعلم تمام العلم أن هناك إحساسا عاما وقويا جدا لدى الجميع بأن كل خطوات التغيير والإصلاح التي تمت مؤخرا على مستوى الطاقم الوزاري أو كابينة القيادة في القصر لم تكن كافية لرسم علامات الارتياح والاطمئنان في وجوهنا واستدعاء الأمل والتفاؤل بأن القادم سيكون أفضل..لا يزال هناك ما ننتظره..
والتبشير بمفاجأة في سياق الحديث عن حوار وطني وانتخابات رئاسية وأبواب إصلاح تم فتحها مؤخرا يجعل فضاء الترقب والتكهن محددا في ملفات بعينها وطالما أن تلك الملفات التي نعنيها ظلت مفتوحة للنقاش ومتعثرة بسبب الاختلاف في الرؤية والمطالب فإن عملية التكهن في تقديري ليست صعبة أو معقدة لأنها في الغالب تدور حول قرار سيتخذه البشير وأن النظام الحاكم قرر التنازل عن مساحة لم يكن يقبل بالتنازل عنها وتلك المساحة غالبا ما تكون خاصة بعملية الحكم وشروط القوى السياسية المعارضة للمشاركة في الانتخابات..
والشروط التي تطالب بها القوى المعارضة معروفة طبعا وتتعلق بموافقة الرئيس البشير على حل الحكومة وتكوين حكومة قومية انتقالية تجمع كافة ألوان الطيف السياسي وتمد يدها لدعوة المتمردين وحاملي السلاح للمشاركة في إعداد الدستور والتهيئة لمرحلة الانتخابات..
ولأن تصريحات البشير تفتح باب (حزّر وفزّر) فإنني لا أرى أن قرارا سحريا يمكن أن يحمل صفة (مفاجئ) وخطير وجديد وجريء وسحري في هذه المرحلة سوى هذا القرار الصعب جدا اتخاذه لكنه القرار الوحيد الذي يمكن أن ينتقل بالواقع السياسي الداخلي في السودان إلى مرحلة جديدة..
إن إخضاع معلومات المفاجأة الموعودة إلى حراسة مشددة من عيون الإعلام وعدم تعرضها لعملية تسريب مبكرة مثل كل قرارات الحزب الحاكم وخطواته التي يتخذها.. هذه الحراسة المشددة تؤكد أن القرار إما أنه محدود التداول على مستوى محدد جدا في الدائرة التي تحيط بالسيد الرئيس أو أنه من الخطورة بالدرجة التي تجعل من يعلمون به يقدرون خطورته الإستراتيجية على الحكومة والحزب الحاكم..
ولن أسترسل كثيرا في هذا المقال لأن طبيعة التكهن هي تقديم إجابة متوقعة لسؤال محدد مثل أن يكون السؤال (ما هو الشيء الذي يرتعش من نسمة هواء خفيفة ولكنه يحمل أثقل الأشياء؟)..
فتأتي إجابات كثيرة وكل إجابة تكون في كلمة أو كلمتين لكن الإجابة الصحيحة هي (الماء).. أو سؤال آخر تفيدنا الإجابة عنه في تأكيد انتظارنا جميعا لمفاجأة الساحة السياسية التي لا سبيل للتراجع عنها بعد أن خرجت وعودها للعلن (ما هو الشيء الذي تعطيه لغيرك ولكن يجب تحافظ عليه؟).. والإجابة بلا شك هي (الوعد)..
جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي