عبد الجليل سليمان

موت بيئي في السودان

[JUSTIFY]
موت بيئي في السودان

في (كتابة) سابقة، كنت قد أشرت إلى ثمة خطر داهم يتربص بأنفاس المواطن فيصيبه في مقتل، هذا الخطر (حوالينا وعلينا) يختبئ في كل وجبة نأكلها وفي كل نسمة هواء نستنشقها، وفي كل جرعة ماء نتناولها.
إنها البيئة أيها السادة الكرام، والبيئة هي جملة الأشياء التي تحيط بنا وتؤثر في وجودنا ككائنات حية سواء أكنا بشراً أم شجراً، هواءً أم ماءً، تربة أم معادن في باطنها، وبهذا المعنى فالبيئة هي مجموعة من الأنظمة المتشابكة (في بعضها) حد التعقيد، والأهم من ذلك كله أنها تمثل مجالنا (الحيوي) الذي يجعل الحياة في هذا الكوكب ممكنة، لذلك فإن أي اختلال وترد فيها لا محالة يؤثر في بقائنا ووجودنا في هذا العالم.
وأمس أقرت وزارة الصحة الاتحادية أن البلاد تعاني تدهوراً بيئياً جعلها تحتل المركز الأول (مشترك) مع الشقيقة الصومال في تصدر قائمة الدول الأكثر وفيات بسبب تردي صحة البيئة. وقالت الوزارة في تصريحات صحفية نشرتها الزميلة (أخبار اليوم) كلاماً كثيراً يقترب من أسلوب الخطب العصماء أكثر مما لو أنه أسلوب علمي يقترح خططاً وبرامج تحت سقف زمني محدد وبأهداف ومقترحات محددة تتدارك بموجبها هذا التردي المريع الذي وصل حد تصدر قوائم (الموت).
عبارات مثل أرسلنا خطابات رسمية إلى الجهات ذات الصلة، وسوف نطلق مسابقة لصحة البيئة تتنافس فيها الولايات، وأن هناك إشكاليات حقيقة تواجه البلاد في هذا السياق، لن تجدي ولن تفيد، ولا أحد صار يصدقها من كثرة تكرارها على (مسامعنا).
صحيح أن موضوع صحة البيئة كبير ومعقد، وصحيح أيضاً أن الصحة وزارة فقيرة رثة الثياب (مشققة الجسد)، لكن كل هذا لا يعني أنها لا تستطيع تنظيم حملات راتبة لإصحاح البيئة ومحاسبة منتهكيها حساباً عسيراً، وأول خطوة في هذا الطريق استصدار لائحة (قانون) تترتب عليه عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه إفناء الحياة وإزهاق الأرواح بتعديه على البيئة، تليها خطوة صغيرة أخرى تتمثل في أن تحظى الأسواق والمواطن (في بيته ومكان عمله) بزيارات دورية (جولات تفتيشية) تقف على مدى التزامه بالقانون وإيقاع العقوبات بمن يخالفه، وهذا يتطلب بعض الكوادر الوسيطة من ضباط ومفتشي الصحة على الطريقة الإدارية القديمة.
في تصوري أن هاتين الخطوتين هما الأساس، ثم ما إن يحققا غايتهما ستجد الصحة نفسها تلقائياً قد أحكمت قبضتها على الأمر، وبالتالي تستطيع أن تحارب الملاريا والكلازار وتسمُّم الغذاء وتلوث الماء وتقضي على الحشرات والآفات الضارة، وتحافظ على حياة الناس.
خطوات صغيرة سريعة وعاجلة أفضل من تلك الخطب والتصريحات التي تسمم بيئة الخطط المعالجات والبرامج الجادة.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي