عبدالباقي الظافر: أطفال للبيع..!!
قبيل أيام وفي مساء مبكر كنت عائداً إلى البيت برفقة زوجتي.. توقفت عربتي عند الإشارة الحمراء.. في هذه اللحظة وقفت بجانبي طفلة حزينة الملامح.. الطفلة طلبت المساعدة.. كنت من حيث المبدأ ضد تقديم العون في مثل هذه الحالات.. التحفيز المادي يجعل الظاهرة تتمدد وبالتالي يزيد عدد الضحايا من الأطفال.. ريثما نحسم الجدل في أخلاقية المساعدة مضت الطفلة في غفوة وهى تتوسد مقدمة العربة.. بدا لي وقتها أن الطفلة مجهدة لكنها مجبرة على مزاولة مهنة لا تحبها.. وسألت نفسي من المسؤول؟.
في الجانب الآخر كانت هنالك صور مشرقة.. قبل أيام احتفلت مدرسة شريان الشمال بعدد من خريجيها.. هذه المدرسة ليست كغيرها.. الذين يسافرون عبر الطريق الصحراوي بين الخرطوم والشمالية لا ينسون أبداً منظر الأطفال الذين يجرون خلف (اللواري) السفرية وهم يصرخون (كرامة.. كرامة.. كرامة).. الركاب حينما ترق قلوبهم يرمون لهم بقايا الطعام والخبز الجاف.. من هؤلاء صنعت شريان الشمال شبابا ناجحاً.. بل منهم من أصبح محامياً ناجحاً وأحد هؤلاء بات قيادياً بارزاً في الحركة الطلابية.. كل أدوات التغيير الكبير كانت مدرسة ومسجد وبئر ماء في جوف الصحراء.. أنموذج شريان الشمال يؤكد أن النجاح ممكن حينما تصدق النوايا.
مساء أمس قضينا وقتاً طويلاً في منظمة “أنا السودان” التي يديرها بإخلاص الدكتور محمد محي الدين الجميعابي.. هذه المنظمة تعمل في نطاق واسع أنشأت ما يفوق المئة مدرسة، وتدير مئة وتسعة مراكز صحية؛ لتوفير العناية الأولية للمرضى.. كما تعمل ذات المنظمة في تسوير المقابر، وإعداد المبدعين.. بل من أبرز ما قدمتهم إلى الساحة الفنية مطربين في قامة طه سليمان، وأحمد الصادق، وحسين الصادق.. ذات المنظمة تعمل في توفير الطعام والكساء للفقراء.. لا يفوتنا أن ننوه بجهد المنظمة في الترويج للتراث السوداني عبر القرية التراثية.
ما يبدو وجهاً للنجاح هو مدخل للفشل في العمل الاجتماعي.. عدم التخصص في أداء دور معين يصرف منظمات المجتمع من أداء دورها.. لنترك “أنا السودان” ونأخذ منظمة “مجددون” مثالاً لفشل النجاح.. هذه المنظمة لفتت المجتمع إلى ثغرة وطنية.. آلاف مؤلفة من تلاميذ المدارس يمضون إلى مدارسهم على الريق.. حينما تأتي فسحة الفطور يشدون على بطونهم الخاوية.. حتى حينما يعودون إلى بيوتهم لا ضمانات كافية بوجبة غداء.. احتفى المجتمع بهذا الجهد وانهالت التبرعات.. بعد النجاح المثمر بدأت المنظمة تحيد عن التخصص، وتتوسع في تخصصات مجاورة، وأحياناً بعيدة.. النتيجة انحسار الاهتمام بهذه القضية.
في تقديري أن لدينا عدداً وافراً من منظمات المجتمع المدني.. ولدينا مجتمع كريم وسخي.. ما ينقصنا هو التنسيق والتخصص والصبر على النجاح.. بل أحياناً الرؤية الكلية فيها (طشاش).. مثلاً نظرتنا إلى الطفل والطفولة فيها غموض كبير.. المجتمع والدولة وربما الثقافة تنظر إلى الطفل كالعفش داخل البص على مسؤولية صاحبه.. ماذا علينا أن نفعل إذا أصر ولي الأمر على انتهاك حق الطفل في نيل التعليم- كما يحدث مع أطفال (الإشارات الضوئية).
في تقديري أن من يفشل في توفير الرعاية الكريمة لطفل، ويتعمد استغلاله جسدياً، غير جدير بهذا التكليف.. الطفل أصل من أصول المجتمع.. لهذا على المجتمع أن ينزع هذا الطفل، ويضعه في بيئة آمنة، توفر له حياة كريمة.. ما نحتاجه تشريعات صارمة، ومنظمات نشطة، ومتخصصة.
عبدالباقي الظافر