“ليسوا معاقين” بين ترقيع الكرات والريشة الناطقة والجلد والعزيمة
ولأنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع الذي لم يوفهم حقوقهم بإدارته ظهره لطفولتهم المبتورة التي سلبتها منهم الإعاقة، إلا أنهم ورغم اختلاف الجغرافيا والبشرة واللغة، فإن ألم الإعاقة هو ما يوحدهم.
قد تحتج الكاميرا ويتمرد القلم أيضاً عن تصوير ما يجري، فوجه (ناصر) الباسم لم يشر بشيء مُغاير حتى يعبر بدنياه إلى الدنيا التي حوله، فهو واحد من الذين تحدوا الإعاقة وأصروا على أن يحققوا أحلامهم رغم أنف المجتمع الذي يضع أمامه كل يجعله محبطاً ومحطماً نفسياً. جاء (ناصر) إلى الدنيا مثل كل الأولاد لكنها أقدار الحياة وفخاخها جعلته معاقا في أطرافه، لكن، ولأن لله في خلقه شؤون، فإنه تميز بحس فكاهي وكوميدي لا يضاهى ولا يُحاكى ولا يجارى، يحب المساجلات، يمزح مع الكل، يتحرك في كل الاتجاهات، فلا يشعرك أنه معاق، روحه الجميلة فقط هي التي سهلت لنا هذا الحوار معه، دونما حرج:
إذا لم تلعبها فاصنعها
ناصر حمد يقول: في حديثه لـ (اليوم التالي) لم أشعر بأنني معاق إلا أيام الدراسة الأولى ففرض الاهتمام الزائد من الأسرة والمدرسة جعلني أحس بأن شيئاً هناك ينقصني عن بقية طلاب الفصل حتى عند حصة المناشط كنت أحرم من اللعب، فأتفرج بشغفٍ على كرة القدم التي تمنيت ممارستها.. ناصر تدفعه روحه الوثابة، وبعد أن حمل في يمينه دبلوم المحاسبة من جامعة النيلين عمل في سوق أم درمان في أحد المتاجر لينفصل رويدا رويدا، ويؤسس لنفسه عملاً خاصا في نفخ وصيانة وترقيع (كرات) القدم التي عشقها منذ صغره حتى أصبح أشهر وأمهر أصحاب تلك الحرفة في السوق. وناصر أصبح بالتالي صديقاً لعدد كبير من لاعبي كرة القدم الذين تعرف عليهم في المباريات والتمارين التي كان يداوم على مشاهدتها إلى جانب المباريات الكبيرة حتى مباريات كرة القمة التي يحجز لنفسه بمدرجاتها منذ وقت باكر مكاناً استراتيجياً يتيح له الفرجة بهدوء.
حديث اللون والصورة
من الناس من اختاروا أن يحولوا الإعاقة إلى رغبة في التحدي وإبحار في النجاح، آملين في الوصول إلى شواطئ ملؤها الأمل، ومنهم تلك الفتاة التي في عمر العطاء فحرمتها الإعاقة من التواصل مع العالم من حولها إلا أنها تفوقت على نفسها أولا ثم قريناتها. إنها ميادة ابنة الـ (16) ربيعاً، والمصابة بالشلل في العصب السمعي، لكنها تقدمت في ردهاتها وتفوقت، إلى أن التحقت بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا (كلية الفنون الجميلة) فسطعت موهبتها المصقولة بالصمت وجعلت لوحاتها الباهرة (الناطقة) تتحدث نيابة عنها، يقولون إن ميادة حرمها الله من نعمة فأبدلها بأخرى فلم تسبب لها الإعاقة (وعكة نفسية) فقد اختارت الريشة والألوان لترسم عالما تعرف تفاصيله وحدها فمهما كانت الحياة صعبة ستظل تعطي أوجه مشرقة تجيد تخطي الإعاقة وتقفز فوق طاولة النجاحات، فالصبر على المعاناة ليس سهلا.
له حقوق وعليه واجبات
عن مفهوم الإعاقة والتحديات التي تواجه المعاق، أوضحت الباحثة في علم الاجتماع سلافة بسطاوي قائلة: التحديات التي تواجه المعاق كثيرة منها كيفية تعامل المجتمع مع الإعاقة وعدم الفهم الصحيح للمعاق، فهو إنسان كامل بكل حاجاته له حقوق وعليه واجبات أياً كان نوع الإعاقة وتصنيفها، فهو مسؤول على مستواه الشخصي، لكن أفراد المجتمع ينظر إليه بنظرة سلبية عاطفية في الغالب، مساندين له، يقوم كل منا بالواجبات نيابة عنه وعدم إتاحة الفرص لإظهار ملكاته على المستوى الأكاديمي الشخصي الثقافي الفني وغيره، حتى على مستوى الحياة العامة إذا أراد أن يتزوج من فئة غير المعاقين لينال مبتغاه، كما أن المجتمع لا يفهم القوانين والبروتوكولات والاتفاقيات التي وقعت والتي تعهد بها السودان وعدم دمج المعاق في المجتمع وخلق حياة خاصة به في المدرسة والعمل وإنشاء دور تأهيل خاصة لهم، وهي تلعب دور كبير في إبعاد المعاق عن ما حوله، وتضيف بسطاوي أن الشفقة الزائدة من الأسرة على المعاق والخوف من الوصمة وعدم الاعتراف بالشخص ذي الاحتياحات الخاصة، وأن له ظروفه، فالاهتمام من الدرجة الأولى ونظرة الأسرة على أنه عالة عليها إضافة إلى أن الأسرة عادة ما تفرض مقارنة بين المعاق وإخوانه وحتى أصدقائه، وتفرض التأهيل والاهتمام به في زمن متأخر لا يتناسب مع الإعاقة وتعبر نيابة عنه في مشاعره، مما يجل المعاق يضطر للهروب في بعض الأحيان، هما اثنان من كثيرين تحدوا الإعاقة وهزموا المستحيل، فهل نتوجهم لقهرهم الآخرين أو ننصب لهم تمثالا لمن هم على الرصيف، هؤلاء يحتاجون فقط لدعم الأسر والدولة كي يواصلوا مشوارهم فهم أفضل من أصحاء يتمتعون بكامل الصحة وأتم العافية يتشبعون بألم وأمل وطموح عال
اليوم التالي