دبلوماسية البلطجة
:: أسعد التاي، مهندس سوداني مقيم بالسعودية ويعمل بإحدى ضواحي خميس مشيط، وهي تبعد عن جدة حوالي (700 كيلومتر).. قطع كل هذه المسافة، وجاء بأسرته إلى جدة يوم الأربعاء قبل الفائت – 25 فبراير – ليستخرج جواز سفر لمولودته ذات الخمسة أشهر وليجدد جواز سفر زوجته، وكما تعلمون فترة صلاحية الجواز السوداني أقل من صلاحية بعض الأدوية، (عامان فقط لاغير)، بلا أي تبرير غير تحصيل الرسوم وتعذيب المغتربين بالصفوف..أنزل زوجته وأطفاله بأحد فنادق جدة، وقصد أسعد القنصلية – فجراُ – لإستلام الأرانيك، فأي إجراء بهذه القنصلية يستدعي المبيت بجوارها أو الحضور مع صلاة الفجر لتحجز مكانك في ( صف الزحام)..!!
:: وهو في صف الزحام، تساجل أسعد مع أحد الموظفين في القنصلية..قد يكون أسعد مخطئاً و قد لايكون، وهذا ليس مهماً..فالمهم كيف عالج أفراد القنصلية السجال؟..لم يتصلوا بالشرطة السعودية كما ينص القانون، ولم يحلوا السجال ب (أخوي وأخوك) كما تنص الخصال السودانية..ولكنهم أدخلوا أسعد إحدى غرف القنصلية وأنهالوا عليه (ضرباً وشتماً)، وكأنها غرفة معدة خصيصاً للتعذيب ..وتجاوزت حدود شتائمهم أسعد إلى والدته التي لايعرفونها ولا تعرفهم..وبعد ساعة من الركل والصفع والشتم والإساءة، ذهبوا به إلى نائب القنصل، وهناك مثل الجناة دور الضحايا، وعددهم أكثر من خمسة.. !!
:: ونائب القنصل لايختلف عن أولئك كثيرا، إذ لم يكرمه الله بعقل يحل القضايا والأزمات في إطار القيم والخصال السودانية، فبدلاً عن الإستماع إلى كل أطراف القضية ثم الشهود التي تمتلئ بها صالة القنصلية، صاح فيه : ( اطلع برة)، ثم وجه المعتدين : ( خاطبوا الأمن السعودي عشان يرحلوه)، هكذا – بكل بساطة – حكم عليه بالترحيل قبل (ما يعرف الحاصل)..إنها دبلوماسية (البلطجة)..كادوا أن ينفذوا التوجيه، ولكن عندما جاءت الشرطة السعودية، تذكروا بأن السلطات السعودية ليست بهذه السذاجة التي تعاقب الإنسان – بالسجن أو بالترحيل – بلا تحريات وتحقيقات..بعد دورية الشرطة، تراجعوا بجبن ثم أدخلوه إلى مكتب نظامي بالقنصلية، وهذا نجح في تهدئة الخواطر بالطريقة السودانية..وقبل أن يغادر أسعد المكتب، إقترحوا له بالذهاب إلى الصالة و إكمال إجراءات الجوزات، إذ هناك توجيه ب (تخليص إجراءتك)..ولكنه رفض، وغادر القنصلية إلى حيث زوجته وأطفاله ..!!
:: هكذا ملخص قصة إعتداء على مواطن سوداني من قبل أفراد بقنصلية جدة، وفي تفاصيل القصة ما لايصلح للنشر..أرسلتها – كما هي – منتصف نهار أمس إلى عبد الحافظ إبراهيم، سفير السودان بالسعودية، ليؤكد أو ينفي أو يبرر..وقد قرأها، والأدهى والأمر هو عرف ما حدث لهذا المواطن – في غرفة التعذيب بالقنصلية – قبل موعد إستلام الرسالة بأيام، ومع ذلك لم يحرك ساكناً..وبعد الرسالة بنصف ساعة تقريباً، إتصلت به ليُبرر صمته أوعجزه عن حماية المغتربين من بلطجية قنصلية جدة، فرد : ( قاعد معاي السفير الهولندي، بارجع ليك بعدين)..وعلينا أن نُحسن الظن، إذ يبدو أن السفير الهولندي مقيم بمكتب سفير السودان بالسعودية، بدليل أن السفير عبد الحافظ لم يرجع لمن إتصل به سائلاً عن الحدث ( لا بعدين و لا قبلين)..قبل أسابيع أشدنا بوزارة الخارجية عندما حاسبت بعض منسوبيها بقنصلية السودان بأسوان بعد التحقيق والتحري.. وهذا إمتحان آخر، فهل تنجح الخارجية أم تم إعتماد الركل والصفع والشتم كوسائل حديثة لتعذيب المغتربين..؟؟