جعفر عباس

حكومتنا خاطبة ومأذون كمان


على غير العادة يا جماعة سأكرس مقالي الثالث على التوالي عن السودان لأنني عدت منه قبل أيام وأبشر سودانيي الشتات بأن حكومتنا مهتمة بالتنمية البشرية بدليل طوفان الكلام عن تسهيل الزواج، وبدأت المسألة بتشجيع عدد من المنظمات والجمعيات على تنظيم زيجات جماعية، حيث تتولى الجهات المنظمة توفير المهر وحفل الزفاف الجماعي، والمستفيد من هذه الزيجات هم الشباب العاجزون عن توفير الصداق وتوابعه، وبعد عقد القران والهيصة المتلفزة كل عريس يركب أعلى ما في خيله، ولا أظن أن شخصا يتزوج بتلك الطريقة قادر على ركوب حمار، لأنه أصلا معسر وغلبان، والحمل المادي الصعب في الزواج يبدأ بعد الزغاريد والأهازيج، فالزواج يمكن ان يتم بتكلفة رمزية جدا، وآية قرآنية تقوم مقام المهر المادي، وكثير من أولياء أمور البنات مستعدون لتزويج بناتهم بدون زيطة وزمبليطة، ولكن بشرط أن يكون الرجل قادرا على إعاشتها وإعاشة عيالهم إذا رزقهم الله بالذرية.
وفي العاشر من يناير المنصرم، أعلن والي (حاكم ولاية) الخرطوم في أبو حليمة، (ضاحية) أن كل من يتزوج بزميلته سينال منحة قدرها 10 آلاف جنيه، وهذا العرض السخي قد يكلف الوالي منصبه، لأنه قد يعتبر تكتيكا من الساعين لإسقاط الحكم لتحقيق غايتهم، فلنفترض أن 1000 موظف قرروا الزواج بزميلاتهم، هنا، تتكفل الولاية بدفع 10.000.000 جنيه كمنح لهم، وتروح مخصصات التعليم والصحة في جيوب المطربات والطقاقات، ولكن بما أن منحة الوالي جاءت «معممة»، فأكبر المستفيدين منها سيكونون الراغبين في التدبيل او التثليث والتربيع، وصحيح أن معظم من يكوشون الزوجات من الفئة الشبعانة، ولكن 10 آلاف جنيه مش بطالة وقد تغطي نفقات الكوافير أو التصوير، وقال لي فني أعطال كهرباء كان يشكو لي دائما من عدم قدرته على الزواج: الوالي تجاهلنا، لأننا وجميع «عمال» الولاية في العمل الميداني، ما عندنا زميلات، وبالتالي لن نستفيد من العرض السخي.
ولا يهمك يا صديقي، فأحد البنوك دخل ميدان التزويج بعرض الوالي مضروبا في 15، حيث عرض تقديم قروض زواج تصل الى 150 ألف جنيه.. هلا، هلا، بمبلغ كهذا تستطيع أن تتزوج جنيفر لوبيز، ولكن الكتاب الصحفيين لا يعجبهم العجب، ولا الصيام في عاشوراء أو رجب،، فقد اعتبر الأستاذ حافظ الخير في زاويته «مع الحق» في صحيفة «الصيحة» أن هذا العرض سينتهي بالعريس في السجن، وكلام حافظ لا يخلو من حسد، لأنه يبدي دهشته صراحة من ضخامة القرض (150.000)، وبالتأكيد فإنه لو كان متزوجا فإنه لم يدفع مثل ذلك المبلغ في المهر وشهر العسل وتأثيث البيت، وإذا كان أعزب فإنه أعقل من أن يبدد ثروة طائلة في مراسيم زواج تستغرق يومين، لينتهي به الأمر في السجن بحسب توقعاته لمن يتزوجون بالاستدانة من البنك، ويا عزيزي حافظ السجن للرجالة وما فيها شيء أن يدخل العريس السجن لعجزه عن الانتظام في سداد القرض، ولكن يا خوفي من أن يصادر البنك العروس ويخصص لهذا الغرض بيتا يحمل اسم «رهائن الضمان»، أو يطالب بنسبة مئوية من العيال الناجمين عن الزواج المقروض.
ويا سيدي الوالي لو أعلنت عن منح بعض العاطلين من الشباب نصف حافز زواج الزميلات، لضمنت لك البقاء في المنصب بالإرادة الشعبية وليس التعيين، ويا بنك السودان، كيف تمنع البنوك من تمويل العقارات والأراضي والسيارات، وتسمح لها بتمويل مراسيم لا ينبغي أن يقدم عليها إلا من استطاع إليها وما بعدها سبيلا؟

jafabbas19@gmail.com