مجزرة الاتحادي الأصل!
وهكذا يقوم محمد الحسن ابن زعيم الحزب الاتحادي (الديمقراطي) الأصل السيد محمد عثمان الميرغني بارتكاب مجزرة في حزبه يقصي فيها أبرز القيادات التاريخية التي التحقت بالحزب بل وأسسته قبل أن يولد الميرغني الصغير الذي بات في زمن الغفلة الآمر الناهي الذي لا معقِّب لحكمه وقراره!
رجال في وزن طه علي البشير وعلي نايل والبخاري الجعلي ومحمد طاهر جيلاني يقصون ويفصلون من الحزب ضمن 19 قيادياً كلهم تقريباً أو قل معظمهم التحقوا بالحزب قبل أن يولد ابن الأكرمين الذي فصلهم!
ما هي الصفة التي يستند عليها هذا الحسن في هياكل الحزب؟ لا أحد يدري غير أنه ابن الميرغني!!!
ذلك شأن حزب سياسي (ديمقراطي)! في القرن الحادي والعشرين يتعامل معه مجلس شؤون الأحزاب باعتباره حزباً شرعياً، بالرغم من أنه لم ينعقد له مؤتمر عام منذ نصف قرن من الزمان ليجيز هياكله ومؤسساته ونظامه الأساسي أو دستوره الذي يتحاكم إليه.. بل هو الحزب الذي يستند عليه المؤتمر الوطني لاكتساب مزيد من الشرعية فيما يقترف من أعمال يسوق بها هذا الوطن العزيز إلى المجهول الذي لطالما حذَّرنا منه، ونحن نجول ببصرنا في الجوار الملتهب بالحروب الأهلية والاضطرابات التي تُمسك بخناق دوله المسكينة خشية أن يصيبنا ما أصابها فنغوص في بئر لا قرار لها ولا قاع.
أكثر ما أدهشني أن ما صدر في الصحف عن الميرغني الصغير، الصامت كوالده، لتبرير المجزرة أنها تمت (لتصحيح مسار الحزب وإبعاد جماعة الفشل السياسي) يا سبحان الله! بربكم هل من عبارة مضحكة مبكية قيلت في السنوات الأخيرة أكثر إيلاماً من هذه؟!
(جماعة الفشل السياسي) الذين عناهم الميرغني الصغير هم النخب التي أسست الحزب، وظلت تدعمه وتصبر على نزق وجهالة زعمائه المرفَّهين المنعَّمين وبالمجان.. من وُصِفوا بالفاشلين هم من ظلوا يكتبون ويذودون عن الحزب وعن زعيمه بل وعن الطائفة الختمية.. علي نايل الذي لطالما تصدَّى لي حين كنت أنتقد ممارسات الميرغني، ولطالما كتب عن (سيده) القديم تمجيداً وتعظيماً.. علي نايل هذا طالته يد الحسن الذي لم يقل كلمة في أي يوم من الأيام أو يكتب حرفاً أو يحدِث فعلاً دفاعاً عن حزبه وطائفته التي لا يعرف عنها وعن تاريخها وتراثها شيئاً، ولكنه زمن الغرائب والعجائب! أقول لعلي نايل حمدًا لله على السلامة، فقد تحررت أخيراً من قيد بغيض ومن سجن ضيِّق لتنطلق في فضاء الحرية بعيداً عمن منحتهم عمرك وجهدك بالمجان رغم كل ما فعلوه بك وبالسودان، فهم أصل البلاء الذي ظل ينهش جسد هذه البلاد ويعطّل مسيرتها منذ أن جاء كبيرهم مع المستعمر الإنجليزي.
لقد ظللتُ أهتم بما يجري في هذا الحزب تحديداً نظراً لتاريخه وكثرة مؤيديه كما ظللتُ أتناول الممارسة الحزبية التي لا يمكن أن ينصلح حال الوطن ما لم ينصلح حالها هي، ففاقد الشيء لا يعطيه.. نعم، لقد ظللنا نطالب بممارسة ديمقراطية راشدة بالنظر إلى أن الديمقراطية تعتبر أفضل نظام لتحقيق النهضة والتداول السلمي للسلطة بعيداً عن الاحتراب والاحتقان السياسي، ولا مجال للتراضي الوطني في بلادنا التي أنهكتها الحروب إلا بالتوافق على مسار ديمقراطي، كما لا يمكن أن نحقِّق ذلك إلا بممارسة حزبية ديمقراطية داخل أحزابنا التي نعوِّل عليها في سبيل نقل السودان إلى بر الأمان، بيد أن ما يؤلم بحق أن حزباً طائفياً يحكمه رجل واحد هو الآمر الناهي، بل هو كل المؤسسات سواء المؤتمر العام أو مجلس الشورى أو المكتب القيادي.. ما يؤلم أن حزباً يقوده رجل يملك كل السلطات وبالرغم من ذلك تُلصق صفة (الديمقراطي) في اسمه، فأي ديمقراطية هذه التي يتسمى بها حزب يُقصي أكبر قياداته التي تريده مؤسسة ديمقراطية حديثة، وليس طائفة دينية تعمل بنظرية القطيع التي يسوق بها الزعيم الأوحد طائفته كما يفعل الغاسل بالميت وهو يقلِّبه حيث يشاء؟!
كما تساءلت مراراً.. لمصلحة من يفعل المؤتمر الوطني بالسودان كل هذا وهو يُحيي من خلال منح السلطة والثروة حزباً كان ينبغي أن يُقْبَر ويُكنَس ويُرمى به في مزبلة التاريخ؟!
إن واجب المؤتمر الوطني لا يقتصر على أن يحكم وفقاً لمعايير الحكم الراشد المعمول بها عالمياً حتى يقود البلاد إلى الإمام في دروب النهضة والعزة والسلام والاستقرار بعيداً عن الفساد والاحتراب إنما كذلك أن يعمل على إصلاح الممارسة السياسية، لكنه بدلاً من ذلك يفسد الحياة السياسية من خلال الاستعانة بأحزاب تخرق قانون الأحزاب وتخرج على الممارسة السياسية الراشدة، لا لسبب أو مبرر غير أن يستعين بها حتى يظل حاكماً إلى الأبد مقدماً مصلحته ومصلحة أفراده على مصلحة هذا الوطن الذي تخلَّف عن ركب الأمم بالرغم من أنه كان موعوداً ببلوغ الثريا عشية الاستقلال.
أعجبني تعليق البخاري الجعلي حين قال متهكّماً على قرار فصله وبقية القيادات التاريخية (من يفصل من)؟! نعم بربكم من يفصل من؟ هل يفصل الحسن ود (البارح) البخاري الجعلي وطه علي البشير وعلي نايل أم أنهم من ينبغي أن يفصلوه ويقرعوه بل ويقرعوا والده الذي ترك لابنه الشاب القياد وهو لا يزال شاباً يحبو في أولى عتبات الممارسة السياسية؟
أما علي نايل فقد ضحك وهو يسمع عن قرار فصله وهاجر مغاضباً تاركاً الحزب للحسن لكي يعبث به كما يشاء!
الحكيم.. طه علي البشير لم يزد على أن يقول إن قرار الفصل يصدره الميرغني الكبير، ولكن بالله عليك أخي طه أي مؤتمر عام ذلك الذي منح الميرغني ذلك الحق؟!