مصطفى والخطيب.. وساوس العقل الباطن
ما بين الإسلاميين والشيوعيين.. عقدة وحساسية قديمة، فبمجرد أن يشتم الشيوعي رائحة إسلامي في المكان تصيبه نوبة الأزمة الصدرية والعكس صحيح ..
وحين جاءت الإنقاذ كانت أولى خطواتها جمع كوادر الحزب الشيوعي الناشطة والزج بها في السجون، ثم إبعاد الشيوعيين من الخدمة المدنية ومراقبة تحركاتهم ..
ثم تفصيل جلباب اتهام جاهز (فري سايز) وإلباسه لكل صوت معارض.. فحين ظهر تيار شبابي (شباب الاتحاديين) أو أصوات معارضة حادة داخل الحزب الاتحادي الديموقراطي كانوا يرمونهم بأنهم شيوعيون.. وأن الحزب الاتحادي مخترق من الشيوعيين.. وكذلك حزب الأمة كانت كل القيادات ذات الصوت المعارض المرتفع متهمة بأنها كوادر شيوعية تسللت إلى حزب الأمة ..
الحركة الشعبية نفسها كانت متهمة بأنها مليشيا شيوعية ..
وفي تلك السنوات الأولى من الإنقاذ حين أثيرت قضية حلايب، كانت هناك طرفة رائجة تحكي عن مخمور جريء يتجول أو (يترتع) في الشارع وقع في قبضة الشرطة فسأله الشرطي.. (إنت سكران)؟.. فكان رده (أيوه) سكران.. وشيوعي.. وحلايب مصرية.
وتلك الإجابة في سنوات التسعينيات كانت تمثل قمة التحدي وكأنها بمثابة إجابة انتحارية من هذا المخمور ..
أما في إنقاذ 2015 فقد فقدت العبارة الثالثة حساسيتها (حلايب مصرية).. وبقيت الإجابة الأولى (سكران) محتفظة بوجودها الرمزي، أما الإجابة الثانية (شيوعي) فإنها هي التي لا تزال بنفس درجة الحساسية القديمة وبنفس خيالات الإسلاميين عن قوة وفعالية وتأثير الكوادر والقيادات الشيوعية على حلفائهم الآخرين.. تلك الخيالات السينمائية عند الإسلاميين والمصنوعة بقوة عقلهم الباطن الذي يجعل وجود كادر شيوعي واحد ضمن أي مشهد سياسي معارض يكون بصفة البطل والبقية بما فيهم الصادق المهدي بكل تأريخه وأفكاره ليس أكثر من مجرد (كومبارس) ومُنَفِّذْ للمشهد الذي يرسمه بحسب ظنهم مختار الخطيب وحده.!!
فتمثيل الحزب الشيوعي ضمن مجموعة من الأحزاب وقيادات المعارضة وقعوا على اتفاق نداء السودان، يجعل رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني دكتور مصطفى عثمان يتهم الوثيقة بأكملها أنها صناعة شيوعية خالصة ..
هل للشيوعيين كل هذه القدرات والمهارات الخارقة؟.. هل الحزب الشيوعي معافى تنظيمياً بما يتيح له المجال تأليف كل منتوج المعارضة وتوجيه كل الفعل المعارض الموجود في الساحة.؟
ألم يسهم المؤتمر الوطني بتزويد الحزب الشيوعي السوداني بوقود نفسي كان من المرجح أنه يفتقده تماماً وهو يعاني عملياً من شيخوخة فكرية وسياسية وعدم قدرة على اعتلاء منبر وتقديم نشاط حقيقي واضح في الساحة.؟
في اعتقادي أن تصريحات دكتور مصطفى عثمان وتركيزه على الإشارة المكثفة لدور الحزب الشيوعي في الساحة ما هي إلا إشارات مرسلة من عقله الباطن خارج نطاق السيطرة والتحكم وتقديم خطاب واقعي يقبله المنطق.. هي عبارة عن هواجس قديمة من ذاكرة الجامعة وأركان النقاش ومعارك (زمان).. لأن الحزب الشيوعي الآن ليس لديه كل هذه الحيلة.. هو حزب ضعيف وصغير تعطلت قدرته على الإنتاج والمواكبة والتأثير.. ليست لديه جماهير يستطيع توجيهها لفعل شيء.. لأن جماهيره القديمة ظلت عقوداً من الزمان تنتظر من قيادة الحزب تقديم إجابات عن استفهامات سياسية وفكرية أساسية حول توجهات الحزب وموقفه الأيدولوجي.. وحين تأخر الرد وقع حكم التطليق للغيبة.!!
شوكة كرامة:
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.