الطيب مصطفى

(الصيحة) في عامها الثاني


وهل أكثر صدقاً من شهادة بروف علي شمو وهو يعلن أن (الصيحة) احتلت المركز الثالث بين الصحف السودانية، وهل أبلغ من أن يستدرك فيقول إن (الصيحة) تأثرت بتوقفها مرتين خلال عام 2014م بما يعني أنها لو واصلت صدورها بدون توقف لكان لها شأن آخر، ولاحتلت مركزاً أعلى من الثالث؟ ذات التصريح أدلى به قبل ذلك الأستاذ العبيد مروح الأمين العام لمجلس الصحافة فهل بعد قوليهما من قول؟

سيراً على درب شهادة علي شمو رئيس مجلس الصحافة والمطبوعات والعبيد مروح لا نتردد في أن نعلن أن (الصيحة) ولدت لتكون الأولى فمن أنشأوا (الإنتباهة) لتحتل صدارة الصحافة السودانية يعرفون كيف ينصبون (الصيحة) على هامة المجد والسؤدد.

انقضى عام منذ لحظة ميلاد (الصيحة) ويا له من ميلاد فريد حفرت من خلاله اسمها في جدار التاريخ صموداً وتحدياً وقوة..جاءت من أول يوم مدوية، مزمجرة، صادعة بالحق، لم تحبُ أو تتعثر أو تعاني من آلام التسنين التي تلسع الصغار حتى يشبوا إنما نشأت شابة فتية من أول يوم لتزاحم الكبار كتفاً بكتف.

كان حصاد العام الأول 200 يوم من الصدور بين لحظة الميلاد وبداية العام الثاني.. كانت مترعة بالابتلاءات وكان أكبرها وأعظمها ذلك الذي صمدت فيه كوكبتها المخلصة من صحافييها وهم يعانون من شظف العيش خلال فترات التوقف وما خفي من ابتلاء ناشرها كان أعظم فقد امتد عبر الزمان مروراً بصحيفة (الإنتباهة) ثم ها هو يمتد إلى (الصيحة)، والليالي من الزمان حبالى إن كان في العمر متسع، فالحمد لله، ثم الحمد لله رب العالمين.

لن نكثر من الوعود في بلاد تمور بأزمات عظام ولكننا في ظل ظروفنا الاستثنائية سنكون بمشيئة الله على قدر التحدي انحيازاً للوطن ولشعبنا وأمتنا ذلك أن (الصيحة) عندما نشأت لم تكن مشروعاً تجارياً بحتاً إنما كانت مشروعاً وطنياً صادقاً، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا حتى نظل صامدين أمام الرياح العاتية التي تتقاذفنا من كل الاتجاهات.

نحن مدينون لشعبنا ولقرائنا الذين ظلوا يؤازروننا ولم يتخلوا عن (الصيحة) حتى أيام توقفها سؤالاً واستفساراً عبر مختلف وسائط التواصل وأينما جمعتنا بهم المناسبات.

أكل لحوم الموتى في جنوب السودان!

وهكذا تتبخر أحلام باقان أموم الذي غادر السودان مزهواً بتحرير بلاده من قيد السودان بعد أن صب جام غضبه على بلادنا بكلمات بل بحمم من السباب سيظل منحوتاً في ذاكرة التاريخ ولن تمحوه الأيام فقد كان الرجل وهو يغادرنا يقول (باي باي للعبودية..باي باي لوسخ الخرطوم)، وغير ذلك من عبارات الأحقاد والسخائم ولم يمر عامان من قيام دولته الجديدة حتى ذاق الأمرين من سجونها وعانى من اضطهادها وشاهد من أوساخها وفظائعها ما لم يخطر له على بال، فاللهم لا شماتة.

كلمات باقان وهو يغادر السودان كانت كافية لتوقظ الغافلين ممن ظلوا يتغنون لوحدة مستحيلة بين الزيت والنار والقط والفأر.. وحدة مستحيلة لم تكن في يوم من الأيام حلماً أو شعوراً في نفس إنسان الجنوب، وقد تجلى ذلك في استفتاء تاريخي جعل حتى من عاشوا لعشرات السنين من الجنوبيين في الشمال يصوتون للانفصال..انفصال قرره أبناء الجنوب منذ مؤتمر جوبا عام 1947م الذي زوَّره المستعمر البريطاني المتآمر واعترف بذلك بنفسه ووثَّقه في كتاب مقروء ثم تباهى به قادة الجنوب أمثال أبيل الير الذي كان نائباً للنميري.. أبيل ألير لم يكتف برجم الشمال والشماليين بالباطل في كتاباته إنما اقتلع رفاة ابنته التي ماتت في الخرطوم منذ عشرات السنين ليدفنها في الجنوب بعد الانفصال، وكذلك فرح (وعرض) واحتفل كل الجنوب بالانفصال الذي سموه بالاستقلال من الاستعمار الشمالي ذلك أنهم لم يحتفلوا معنا باستقلالنا في الأول من يناير 1956 إنما قالوا إنهم استبدلوا سيداً (الإنجليز) بسيد هو الشمال والشماليين، لكن لا يزال بعض أفراد قبيلة النعام من العميان يتباكون على الوحدة رغم أن كثيرين منهم يتشدقون بالديمقراطية والحريات لكنهم يرفضون الانفصال بما يعني أنهم يصرون على أن يبقى الجنوب رغم أنف شعبه جزءاً من السودان بالرغم من أنه لا إكراه حتى في الدين كما يقول رب العزة سبحانه وتعالى.

نعم، لقد تبخرت أحلام باقان.. وأقول هذا بيني يدي آخر ما تمخضت عنه الحرب الأهلية التي لا تزال تستعر في دولة جنوب السودان، فقد كان مرعباً وفظيعاً بحق أن تجبر قوات الرئيس سلفاكير أسرى قوات غريمه رياك مشار على أكل لحوم قتلاهم.. نعم أكل لحم قتلاهم!

ذلك حال دولة جنوب السودان بعد الانفصال.. جوع ومرض وموت وحقد دفين وانهيار للدولة اضطر الاتحاد الإفريقي للموافقة على مقترح لجنة الرئيس النيجيري السابق أوبوسانجو بوضع الدولة الجديدة تحت الانتداب بما يعني أن تكون دولة مُستعمَرة لا يحكمها أبناؤها بعد أن فشلوا في حكمها بل في حماية شعبها من الموت ذلك أنهم هم الذين يمارسون قتل شعبهم فما عادت جوبا هي جوبا وما عادت ملكال هي ملكال، بعد أن دمرت المدينتان الأكبر في الدولة الجديدة.
بالرغم من ذلك (وكأن السودان ناقص) وهو يعاني من أوضاع سياسية واقتصادية بالغة التعقيد هناك من نخب الشمال من يحلم بعودة الوحدة.

نواصل