قانون التسول.. “مضايرة” البؤس
التسول والتشرد كظواهر في المجتمع ليس من المنطق تصنيفها بشكل مطلق بأنها جرائم أو مخالفات قانونية، فنسبة غالبة منها هي واقع ونتاج لظروف تعيشها البلاد.
ليس من المعقول أن تتحدث حتى الأرقام الرسمية عن نسب فقر تعادل ثلث السكان ويقول آخرون إنها تقارب الخمسين بالمائة أو أكثر في وقت تنشغل فيه الجهات المسؤولة بتجميل واجهة المجتمع وإخفاء إفرازات هذا الواقع عبر تشريعات وقوانين تعاقب المتسولين المتشردين.
من لا يريدون مشاهدة المتسولين والمتشردين في الشوارع فعليهم أن يعملوا ليس على سن قوانين لمطاردتهم بل على تنفيذ خطط لإيوائهم ورعايتهم.
لا يمكن إدانة المتشرد بتهمة اسمها التشرد.. وليس من المعقول إدانة المتسول بتهمة اسمها التسول.. هكذا وبدون فرز أو تمييز..
المطلوب هو تصنيف هؤلاء وتحديد الفئة التي تمتهن مهنة التسول دون أن تكون لديها حاجة فعلية وهي فئة موجودة وعصابات ناشطة في استغلال عطف الناس بأساليب احترافية.
وهؤلاء يمكن تحديدهم وإنزال أقسى العقوبات عليهم لأنهم حقاً مجرمون.. أما منع التسول بالقانون ومطاردة المتسولين والمتشردين فهذا عمل يتنافى مع القيم الإنسانية.
لديك نسبة عالية من الفقر في السودان فهذا يعني وجود نسبة كبيرة منها من المعدمين والمساكين الذين لا يملكون حتى قوت يومهم في هذا الزمن القاسي..
الدولة التي تمنع التسول بالقانون من المفترض أنها تكون قد اتخذت قبل هذا القرار خطوات ومعالجات للمشكلة وفتحت نوافذ ديوان الزكاة بما يضمن أن لا تنام الخرطوم ليلة واحدة يكون فيها هناك مريض يحتضر في سرير المرض وليس في جيبه ثمن الدواء أو فقير يتلوى طفله أمام عينيه بسبب الجوع.
في هذه الحالة يمكن أن نقبل تشريع أقسى العقوبات للمتسولين ولمن يختارون (بمزاجهم) أو عبثاً أن يسكنوا في الشوارع ويبعثروا أكياس النفايات بحثاً عن قطعة خبز..!!
ليس هذا شعراً أو نثراً.. إنه واقع ماثل وموجود وتجب معالجته بعيداً عن خيارات (المضايرة) وتلميع الواجهة وتغطية الجرح الغائر الملتهب بقطعة قماش زاهية.. ليس بإمكانكم كنس البؤس من واجهة الخرطوم بالكرباج والمكنسة، لكن بإمكانكم معالجته بالخطط والبرامج المدروسة.
وإذا كانت لجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس تشريعي الخرطوم قد طالبت بإجراء تعديلات في بعض بنود قانون التسول الجديد فإننا نرى أن ترجئ الدولة تطبيق مثل هذه القوانين حتى تضع وتنفذ خططا عملية لتخفيف حدة الفقر ومعالجة قضايا البطالة وتهيئة مراكز ومآوي لرعاية وإيواء المتشردين ومضاعفة نوافذ الزكاة والمؤسسات الاجتماعية وميزانياتها لتقديم العون الأساسي للمعدمين.. قبل أن تتحدث عن قانون لملاحقة الفقراء والمساكين بعقوبات السجن والغرامة.
ليس عدلاً أن تطاردوا الفقراء والمساكين في بلد تقول التقارير الرسمية إن ثلث سكانه فقراء، وتقول التقارير الأخرى غير الرسمية إن النسبة أكبر بكثير من النصف أو الثلثين من المواطنين تحت خط الفقر.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.