كاتشب أمريكي بنكهة جديدة..!
تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما ستفتح شهيتنا كالعادة للحديث عن مؤامرة وتقسيم أدوار بين أمريكا وإسرائيل، فالأولى تدعي الإنصاف والانحياز “المفاجئ” لحقوق الفلسطينيين والثانية تغتصب حقوق الفلسطينيين. ولكن هذه الشهية المفتوحة دوما يجب أن لا تمنعنا من سبر أغوار الأزمة الأخيرة التي تمنح هذه الخطوة الأمريكية مقدارا من المصداقية، فالتوتر الأمريكي الإسرائيلي يعبر عن توتر في الداخل الأمريكي، وبالتحديد بين مؤسستي الرئاسة والكونغرس، فالرئاسة دائمة ما تتوصل إلى قناعات محددة فيها “مصلحة حيوية” للولايات المتحدة الأمريكية لتجد أن الكونغرس يحسبها بطريقة مختلفة تماما، ولأن الرئاسة متغيرة فإن تأثيرها على الثابت وهو “لوبيات الكونغرس” ضعيف للغاية، وغالباً ما يفكر الرئيس وأعوانه في مصلحتهم وأن يقضوا فترتهم بسلام ثم يذهبون دون تحقيقات وفضائح.
أوباما نفسه يعبر عن تغيير في العقلية السياسية و هو تراكم تغيرات سياسية و اجتماعية أمريكية كثيرة .. و لكنه لم يحدث تغييراً حقيقي في السياسة الخارجية .. و كذلك هيلاري في فترته الأولى .. لكن جون كيري هو بداية التغيير، لديه رؤية محددة وليست لصالح الفلسطينيين أو العرب أوالمسلمين أو كوبا أو خلافه، الرؤية لتحقيق المصالح الأمريكية … نقطة سطر جديد.
وجون كيري لا يمثل نفسه أو عبقرية استثنائية هبطت على البيت الأبيض، إنما يمثل تطورا طبيعيا في الآراء التي تدعو لإعادة النظر في طريقة صناعة القرار في بلاد العم سام، ليس وحده، هنالك كثيرون ولكن كيري لم يكن محتاجاً للموقع من الأساس، فالرجل في وضع ميسور ومستقر للغاية كما أنه متزوج من أرملة هاينز صاحبة امبراطورية هاينز الغذائية، التي تنتج آلاف الأطنان يومياً وربما كل ساعة وتغمر بها العالم. ولو دقق أحدنا في طبق البيتزا أو “الساندويتش” الذي يتناوله فإن هذا الظرف الصغير من الكاتشب الذي “تمصره” في طعامك يورد سنتات إلى خزانة هاينز … وهو ما يؤمن حياة أسطورية للأرملة الثرية وزوجها صاحب الوجه النحيل.
أنا لا أختزل هذا التغيير في السياسة الأمريكية في جون كيري ولكنني أرى أنه – كما ذكرت آنفاً – تطور طبيعي وبطيء، ويحدث رويداً رويداً وهو رجل لا يحتاج للسياسة .. إنما هي تحتاج له.
الحسابات المؤسسة لقيام دولة إسرائيل فيها شق أسطوري غير عملي وغير قابل للتطبيق وهو إزالة أربع دول عربية لتقوم إسرائيل الكبرى، و هي الآن تعدادها أقل من الفلسطينيين أو حتى سكان القاهرة، وكان هنالك رهان على تذويب الشعب الفلسطيني وتفكيك القضية الفلسطينية وتنتهي القصة، وذلك بأن يصبح اللاجيء الفلسطيني في أي دولة مواطن، وينسى أنه فلسطيني، وهذا لم يحدث، وما زال حق عودة اللاجئين شبحاً يحوم حول مشروع التهويد الكامل.
ضرورة استقرار اسرائيل تملي على أمريكا ثمناً باهظاً وهو إحاطة الدول العبرية بحزام من البلبلة والدويلات المفككة المتناحرة، ومن أجل ذلك أشعلوا حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، ويريدون إشعال رابعة يكون فيها محور إيراني قطري تركي سوداني، ضد الخليج ومصر ونصف ليبيا ونصف لبنان و ثلاثة أرباع العراق …
لم يكن الموضوع واقعياً أبدًا … وأفشى التقارب الأمريكي الإيراني عن وجود “لغز غامض”، وبات من المؤكد زوال الأزمة القطرية الخليجية، وعادت العلاقات السودانية المصرية و…
أيضا … موضوع “حزام البلبلة” حول إسرائيل اتضح أنه ليس “نزهة برية”، لم تقتنع الدول العربية بأن داعش جماعة متطرفة ولدت في مساجد المسلمين واعتبر حلفاء أمريكا أن داعش صنيعة أمريكية مئة بالمئة.
هذه البعثرة الأمريكية … خطط استخبارية ولوبيات كونغرس ورئاسة لديها التزامات اقتصادية وتحالفات ممزقة، كل هذه الحزمة المتناقضة تحتاج إلى “توضيب” و”مراجعة”، ولذلك إحداث بعض العمليات الجراحية بات ضرورة، وهي حتى الآن محاولات … وستسعى إسرائيل إلى إجهاضها وتأديب “صاحب الكاتشب” ورئيسه … فلننتظر خروج البيتزا من الفرن لنرى هل هي ناجحة أم احترقت.