عبد الجليل سليمان

أزمة دارفور… قراءة خليفة


إذ أردت أن تكتب في الصحف، تقريراً، مقالاً، أو أي شيء أو لا شيء، فعليك بتصريحات الإسلاميين أياً كانت مسمياتهم (باستثاء الصوفية والجمهوريين)، عليك أيضاً بتجلياتهم في الكتابة والسياسة، والهتاف.

ثم أما بعد: وأنت تقرأ حواراً أجرته الزميلة السياسي مع (محمد الأمين خليفة) أحد الذين جاءوا بانقلاب الإنقاذ ثم انقلبوا عنها بعد أن تمرغوا في نعيمها سنين عدداً، تقرأون حوار خليفة فتنقلبون عنه فكهين.

اقرأوا ماذا قال الرجل في إجابته عن سؤال الزميل مروان الريح الذي جاء على النحو الآتي: (برأيك كخبير في التفاوض، ما هي الوصفة اللازمة للمفاوض السوداني)، رد خليفه قائلاً: يجب عليه أن يكون واسع التفويض والإدراك، وملماً إلماماً كاملاً بالقضية، وأن يجبرك على أن السلام هو الحل والحرب استثناء، وأن يكون ملماً باللاعبين الإقليميين والعالميين، ويجب أن يكون له دافع وله حجة، لأن العديد من الدول لها مطامع في السودان.

يا الله، كم ممتع أن تقرأ ذلك، ثم تتأمل الحكومة والمعارضة والبلاد التي تتقلب بين أيديهما، لتعرف السبب فيبطل العجب.

ليس هذا هو الممتع فحسب، فالأكثر إمتاعاً هو إحالة (خليفة) أزمة دارفور برمتها إلى الخارج، حيث عوقبت بالحرب الدائرة فيها الآن بسبب مقاومتها الحكم التركي – المصري، هكذا قال الرجل دون أن يطرف له جفن، ثم ولمزيد من التعميه والتغبيش استشهد بأن من قدم اقتراح نيل الاستقلال (النائب دبكة) من أبناء درافور، لذا عوقبت أيضاً.. فيا للهول!

هل كان (محمد الأمين خليفة) في كامل قواه العقلية وحالته المعتبرة شرعاً، وهو يحلل أزمة دارفور بهذه الطريقة؟! وهل بالفعل يؤمن الرجل ويعتقد في ما يقول؟

للأسف، هذا ليس تحليلاً وإنما التفاف على الأزمة بإحالتها إلى أسباب متوهمة ودفن رؤوس الأسباب الحقيقية في رمال النسيان والتيه.

فما علاقة مصر وتركيا الراهنتين بصناعة أزمة دارفور وإشعال الحرب في نجوعها وفيافيها وجبالها وصحراواتها وحواكيرها؟، ثم ما علاقة الحرب باقتراح (دبكة) باستقلال السودان؟، فالاستقلال كان مبرمجاً سلفاً، ودبكة اختاره حزبه ليدفع بالاقتراح إلى تخت التصويت فقط، وكان من الممكن أن يختار الحزب شخصاً غيره، ربما كان من الشمال أو الإنقسنا أو البحر الأحمر مثلاً. وشخصياً أستطيع أن أراهن بأنه لا مصر ولا تركيا تعرفان من هو الذي قدم هذا الاقتراح، وحتى لو عرفتا فإنه هذا ليس سبباً كافياً كي تعاقبا به الإقليم المأزوم وتدفعا به إلى هاويته الراهنة!

بالطبع، سبب لي هذا التحليل الكثير من الاستياء والتعاسة والبؤس، وهذا ما دفعني للتحاور معه في هذا المساحة الضيقة، هذا على الصعيد الشخصي، أما على الصعيد العام، فإن مثل هذه القراءة التي يجترحها من يطلقون على أنفسهم خبراء تمثل واحدة من أزمات هذه البلاد، لا تقل وطأة عن أزمة دارفور، فهلا أمسكوا عنها وكفوا!