الطاهر ساتي

وطن قائد ..!!

:: كان لفلاح حصانين، فقرر أن يرحل بهما، وحمل على ظهر أحدهما ( جوالات ملح)، وعلى ظهر الأخر (براميل فارغة)..وفي منتصف الطريق، شعر الحصان حامل الملح بالتعب لحد الإغماء، بيد أن الحصان حامل البراميل الفارغة كان يركض سعيداً ورشيقاً..وعندما مرا ببركة ماء، قفز فيها الحصان المرهق بأثقال الملح ليستعيد قوته ورشاقته، فذاب الملح وخرج الحصان وواصل رحلته (رشيقاً ونشيطاً)..وهنا، قرر الحصان حامل البراميل الفارغة أن يقتدي بذاك، فقفز في ذات البركة فأمتلأت البراميل بالمياه، فخرج وواصل الرحلة (مثقلاً ومرهقاً)..!!

:: فالحكمة من الحكاية هي ما يُفيد غيرك قد يضرك، وما يضر غيرك قد يُفيدك، وليس بالضرورة أن تكون مواقفك دائما صورة طبق الأصل لمواقف الآخرين، وأن في مخالفة الآخرين – أحياناً – فوائد .ومع ذلك، ظل السودان – طوال الحقب الفائتة- يقلد الأنظمة المصرية في قراراتها ومواقفها وسياساتها فيما تخص فوائد شعبها وأضراره، ولم يكن السودان يجني – من هذا التقليد الأعمى- غير ( الإرهاق).. يقع مع مصر في برك المتاعب، فتخرج مصر بالغنائم ويخرج السودان بالخسائر..وللأسف، لم تكن الأنظمة المصرية تكافئ السودان – على الإرهاق بلا فوائد – إلا بالمزيد من (الإرهاق بلا فوائد)..!!

:: ولهذا، أي في محاولة للبحث عن مصالحه بعيداً عن تقليد الموقف المصري، بارك الشعب هنا موقف الحكومة وأيده بتطرف في قضية (سد النهضة)..وليس مهماً أن يكون موقف السودان الرسمي مناصراً للسد الإثيوبي أومحايداً، فالمهم لم يكن رافضاً كما الموقف المصري قبل التوقيع على الإتفاق الإطاري الذي يؤكد التعاون، وهذا ما تم الإتفاق عليه – ظهر أمس بالخرطوم – بمبادرة سودانية..وعليه، لم تنجح الحكومة السودانية وحدها بتحويل الموقف المصري من (الرفض ) إلى (التعاون)، بل الشعب السوداني أيضاً – بمختلف مكوناته السياسية – شريك أصيل في هذا النجاح بتلك المؤازرة..وهذا درس للحكومة السودانية لتتعظ، فمن راهن – في كل المواقف – على إرادة شعبه لايُخيب ابدا.. !!

:: والمهم.. لم يكن أمام النظام المصري خيار آخر غير ( التعاون).. فالأزمة الإقتصادية هناك بلغت مرحلة تنظيم مؤتمر المانحين قبل أسبوع، ومخاطر داعش بليبيا وأنشطتها العسكرية غير بعيدة عن (أمن مصر)، ثم الإخوان في قلب مصر لم يستسلموا لحد التطبيع مع نظام السيسي..ودولة بهذا الوضع السياسي والأمني والإقتصادي ليست بحاجة إلى ( مواجهة إفريقية)..فالحكومة المصرية – بعد التعبئة الإعلامية السالبة – كانت بحاجة ماسة إلى سفينة نجاة تعبر بها أمواج بحر قضية (سد النهضة)، ثم وجدت في المبادرة السودانية سفينتها..وعبر هذه السفينة قد تعيد مصر ثقتها – وثقلها – في إفريقيا ودول حول النيل، ولكنها – هذه المرة – ثقة وثقل للتعاون في (المصالح المشتركة)..!!

:: والجدير بالتأمل الحزين، منذ الإعلان عن موعد التوقيع على إتفاقية التعاون التي تحفظ مصالح الشعوب، فأن أذيال الأنظمة المصرية الفائتة – وأذنابها بالسودان – تكتب وتملأ صحف الخرطوم برفض الإتفاقية، ثم تبدي توجساً مصطنعاً عن مخاطر السد على السودان ومصر..وهؤلاء هم الذين أسسوا السودان بحيث يكون كما (الحصان حامل البراميل)، وهم لايعلمون بأن وعي الشعب تجاوز مواقفهم (غير السودانية)..وعليه، لقد أحسنت الحكومة السودانية عملاً بإعداد هذه الإتفاقية الداعية إلى التعاون السوداني الإثيوبي المصري في مشروع ( سد النهضة)..والمبادرة كما أعادت الثقة بين مصر وإثيوبيا، فهي أيضاً تُعيد دور القيادي للسودان في القضايا (الأفروعربية).. وللمزيد من القيادة الرشيدة، تواثقوا سريعا على (السلام و الديمقراطية)..!!