العدالة قد تكون عرجاء
كتبت كثيرا، حتى حسبني البعض متباهيا أنه من طقوس حياتي اليومية، قراءة نحو ست صحف عربية وصحيفة انجليزية واحدة على الأقل، إلى جانب مجلتي تايم ونيوزويك الأسبوعيتين الأمريكيتين، (وبالمناسبة فلأنني من جيل يحب الكتب والقراءة، فإنني لا أقرأ النسخ الالكترونية للصحف) قل عني انني مصاب بعقدة الخواجات، وستكون قد ظلمتني، فحقيقة الأمر هي ان قراءة صحيفة انجليزية واحدة، يستغرق مني ضعف المدة التي أقضيها في قراءة الصحف العربية الست مجتمعة، وليس سرا ان أفضل وسيلة لمعرفة حقيقة ما يدور في الجزء الذي يخصنا من العالم هي مطالعة الصحف الأجنبية، ولو أردت معرفة تفاصيل حدث مهم في بلدك أيها العربي النشمي فعليك ب بي بي سي أو سي إن إن، أو وكالات رويترز وأسوشيتد برس في كل الجرائد الصادرة في أوربا وأمريكا الشمالية، صفحة كاملة مخصصة للوفيات، ويشرف عليها صحفي حانوتي، والغريب في الأمر أنه لا يوكل الإشراف على تلك الصفحة إلا لمحرر مثقف وواسع الإطلاع، وتحمل تلك الصفحة دائما عنوانا ثابتا هو أبتشاريز obituary وتعني حرفيا «النعي» وتهتم بسير الشخصيات المعروفة التي تنتقل من فوق الأرض إلى تحتها، وعندما عملت في تلفزيون بي بي سي كلفوني لبعض الوقت بإعداد «نعي» شخصيات على قيد الحياة وأحسست بالضيق، ولا أذيع سرا بالقول بأننا في قناة الجزيرة لدينا شريط نعي جاهز لمعظم – ان لم يكن جميع – الشخصيات البارزة في العالم سياسيين كانوا أم أدباء أم مخترعين لم أعد أتضايق من تكليفي بتلك المهمة، فحقيقة الأمر هي اننا جميعا سنموت، ولا ينبغي لوسيلة إعلامية تلفزيونية ان تعاني من الهلع عند حدوث وفاة – ولو فجائية – لشخصية عامة معروفة، وتضطر إلى نعيه فقط ببعض الكلمات.. وإذا كنت شخصية ذات وزن في مجال معين فمت مطمئنا واترك أمر ذكر محاسنك لأبي الجعافر ورفاقه (بصراحة فإننا عندما نجهز النعي لأي شخصية عامة فإننا لا نغفل سيئاته بل نوردها لأن الأمر – وفي التحليل الأخير – سيرة ذاتية).. خذ مثلا نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق عزيز، والذي صدر بحقه حكمان بالإعدام حتى الآن، وإذا تم تنفيذ العقوبة فبعد ثوان من الإعلان بأن حكم الإعدام عليه قد نُفِّذ ستكون أكثر من قناة تلفزيونية قد بثت شريطا طويلا عن حياته بما لها وما عليها وأسوأ ما في الصحف الأجنبية هو أخبار الجرائم.. ما زال العالم يذكر حكاية النمساوي جوزيف فيرتزل الذي احتجز بنته الوحيدة طوال 25 سنة في قبو وأنجب منها 8 عيال.. وقبل مرور أقل من عام على تلك الجريمة أدانت محكمة في شيفيلد بانجلترا رجلا انجليزيا باغتصاب بنتيه على مدى ثلاثين سنة، وأنجب منهما تسعة أطفال (هناك عشرة أطفال آخرين ماتوا قبل او بعد الولادة).. حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد 25 مرة، (يعني نظريا 25 في 25) ولكن القاضي العادل قال لهذا الحيوان: ستقضي على الأقل 19 سنة ونصف السنة في السجن.. يحيا العدل.. طيب ما لزوم الفيلم الهندي بالخمسة والعشرين حكما بالمؤبد.. أتعرفون ما هو شعور هذا الخنزير إزاء انفضاح أمره؟ كتب رسالة من السجن يقول فيها: أنا اللي رحت فيها أوانطة.. البنتان على الأقل نالتا مني تسعة أطفال أما أنا فنصيبي السجن.. أين العدل؟ صحيح أين العدل؟ لو كان هناك عدل لقضت المحكمة بإعدامه 25 مرة، يتم في كل مرة قطع جزء من جسمه ابتداء بما يجعله ينتمي إلى جنس الرجال، بينما هو ينتمي من حيث العقل والأخلاق إلى أحط مراتب البهائم.
jafabbas19@gmail.com