جمال علي حسن

خطباء جمعة.. من التوقير إلى الصفع


في زمان (الوجبات السريعة) ورسائل الوات ساب.. لم يعد هناك من يحتمل الاستماع إلى أحاديث طويلة وكلام كثير أو حتى مطالعة مقالات طويلة وكتب ضخمة.. إنه زمان التثقيف والتعبير بالرسالة وبالإشارة غض النظر عن كون المستمع (لبيب وبالإشارة يفهم) كما يقولون فليس كل المستمعين ألباء ولبيبات لكنهم وعلى كل حال لا يحتملون الاستماع إلى الكلام الكثير حتى أولئك الثرثارون أنفسهم ألاحظ أنهم يحبون الثرثرة لكنهم لا يصبرون على الاستماع لثرثرات الآخرين..

بعض الشباب حين يرتادون مسجداً لأداء صلاة الجمعة ويكون الإمام من النوع الذي يطيل خطبته ويجبرهم على خوض معركة جانبية لطرد النوم من أعينهم يكون حال من خاض هذه التجربة مثل الذي وقع في كمين محكم يروي قصته للجميع ويحذر أصدقاءه من أداء الجمعة في ذلك المسجد..

ومع ضعف علم الكثير من أئمة وخطباء الجمعة في مساجد بلادنا وافتقار خطبهم لعنصر الجاذبية ومهارات الخطابة يفقد الكثيرون ثقتهم في أهلية وعلم الإمام الذي يصلون خلفه بسبب استعانته واستدلاله بأحاديث ضعيفة وموضوعة يرويها ويكررها ويستند عليها ويوجه الناس على أساسها فتكون مشكلة المصلين مزدوجة.. إطالة الخطبة، وعدم قناعتهم بالكثير مما يرد فيها.. وحرصاً منهم على أداء هذه الفريضة الواجبة على أتم وجه دون شكك أو ملل صار الكثير من المصلين وخاصة شريحة الشباب يبحثون عن المسجد الذي يقصر إمامه خطبته إلى أقصى حد ممكن..

وقد طالعت آراء لبعض العلماء يقولون إن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله..

لكن الذي لم أكن أتوقعه أن نصل درجة يشتبك فيها المصلون مع إمام المسجد بالأيدي بسبب إطالته خطبة الجمعة.. لأن في ذلك مؤشرات خطيرة لنظرة الناس للأئمة والخطباء ودرجة توقيرهم وتقديرهم والتي وصلت في تلك الحالات إلى نقطة الصفر فصار الإمام شخصاً عادياً لا يتمتع بأي توقير يحصنه من لكمات المصلين..

الخبر الذي نشرته إحدى صحف الخرطوم قبل أيام يروي حادثة اشتبكاك بالأيدي بين مصلٍّ وإمام مسجد بأم درمان على خلفية إطالة الإمام للخطبة والحادثة ليست الأولى فقبل عامين وقعت حادثة اعتداء أسبابها تختلف عن أسباب حادثة أم درمان فقد كانت بسبب انعدام ثقة المصلي الذي اعتدى على الإمام في أهلية ذلك الإمام وعلمه الشرعي.. أحد المصلين بإحدى مناطق نهر النيل، أقدم على ضرب إمام مسجد بحجر، وفقأ عينه بعد خطبة الجمعة والتي كانت عن موضوع الزنا وذكر ذلك المصلي الجاني أن الخطبة كانت فيها إيحاءات واضحة ومسيئة..

خطبة الجمعة ليست منتدى للنقاش وتداول الآراء والأفكار بين الإمام والمصلين.. وليست هي ركن نقاش.. بل هي جزء من صلاة الجمعة ولا يجوز للحاضرين الحديث مطلقاً أثناء الخطبة كما أن حضورها عبادة ولذلك فإن واجب الدولة اختيار خطباء وأئمة يتمتعون بالعلم الشرعي الكافي وتوجيههم بالإعداد الجيد للخطبة من مضمون الفقه والدين الثابت والصحيح والمتفق عليه من المسائل مع الابتعاد التطويل والاستهلاك والخوض في قضايا حزبية وخلافية من أمور الحياة..

شوكة كرامة

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.