يوسف حمد هزيم الرعد
“أنتَ كأنك لاتشبههم/ كأنك كلهم/ كأنك لا أحد/ كأنك كومة أطفال شابت سوالفهم لمّا شاهدوا النجمة” مثلما قال فراس سليمان يا (يوسف حمد)، أقول وأنت تختار غربتك القادمة، تغادر سيدي وتترك فينا ما يشبه بقع الفراغ، إذ كنت بالنسبة لنا مثل غبطة قدّيس، وكنت أنت كأنك تشبه الماء، ولا تشبهه فالماء لا يعود إلى بيته أبداً. فعد أنت يا سيدي بعد حين.
وتعرف واعرف: فأنت وأنا لا نحب الوداع لأنه يبدو لكلينا كوهم مجروح، يخنقني دخان الشموع التي تضاء في حفلات الوداع، وتخنقني (الباسطة) في مكتب التحقيقات، إذ يسيل عسلها بين الأنامل المودعة وتعبث بها الأيدي الخشنة، فأهمس للمكان وأمتثل لمقتضيات إيداعك في حواشينا وتضاعيف – أعمالنا القادمة.
(1)
يا يوسف وكأني بك تشتعل في اشتغالات الغربة، فلا تأبه، وامضِ فأنت غريب هنا أيضاً، ألم يقل البردوني مرة “يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن، جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن/ وكالأعمام والأخوال في الإصرار والوهن”. إنه الاغتراب الداخلي فاتركه الآن تحت نافذتك الزرقاء كي يسقط عليك مثل أشعة الصباح الخرطوم وأنت في غربتك.
سافر، فأنت منفي هنا يا سيدي، ولأن منفاك فيك فلا تدعه يخرج عنك، امتثل له برهافة كما تفعل من قبل، ودع جسدك النحيل يقرع في حضوره مثل جرس الإبتدائيات القديمة، وارقص مثل خطوط النمل تلوى واستنشق رائحة المنفى قشاً وحنين، وهواء مشكوماً بشكائم بادية نائية في وطن لا زالوا يقولون له السودان.
(2)
امسك بالآتي، وتوكل: قلم/ فكرة/ وكتاب مثل خيالات الأشجار/ غبار الشارع / ضحكة بنت عابرة/ شدادات البنطال/ وبعض الضحكات هنا وهناك.. وصدقني ستفر الغربة من بين أصابعك كأرواح الحطابين الجبليين.
يا يوسف نم وامعن في النوم ولا تدع الهرجلة العمياء ترافق وجدانك حين الإقلاع، سافر وأنت محلق في النوم حتى توقظك دهشتك الملساء حينها دع حماسة الغياب تسقط على ظلك.