الطاهر ساتي

شغالين صيانة


:: قبل أسابيع، زرت عاصمة الشمالية دنقلا، فوجدتهم يحفرون ويهدمون مساحات واسعة بمستشفى دنقلا الجديد، والمرضى و الزوار يستنشقون غبار الحفريات ويمشون بحذر فوق ركام الهدم وهم يتعثرون ويمسك بعضهم بعضاً حول العنابر..سألت العمال عما يفعلون في بنايات مرفق لم يبلغ عمر بنيانها خمس سنوات، فأجابوا : ( شغالين صيانة)..شكرتهم، ولكن لم أشكر حكومتهم التي تبدو كأنها تهتم بأمر الصيانة لحد إستبدال السيراميك القديم بآخر جديد و مواسير الصرف الصحي القديمة بأخرى جديدة..فالحقيقة ليست ( شغالين صيانة)، بل يجتهدون في تطغية ملف المستشفى – قبل زيارة الرئيس المرتقبة فجر الغد – كما كادوا أن يغطوا ملف الذهب بالمحلية لو لم تثره الصحف..!!

:: قبل خمس سنوات، بعد إنتهاء العمل في هذا المرفق ، وهو أكبر مستشفى بدنقلا، رفضت الإدارة إستلام المباني وبعض أجهزتها بنص التقرير القائل ( هذه المباني غير صالحة للإستخدام، وهذه الأجهزة معطلة)، ثم صاغوا كل الأخطاء الهندسية والفنية وسلموها لوزارة الصحة..واللجان التي تم تشكيلها كشفت الأخطاء، ومع ذلك كادوا أن يرغموا الإدارة على إستلامها بأخطائها، ولكنها رفضت..فأقالوا مديرها العام، الدكتور علاء الدين يس نائب المدير العام لمستشفى الصداقة بأمدرمان سابقاً والمدير العام لمستشفى حاج الصافي بالخرطوم بحري حاليا، ثم عينوا ( إدارة مطيعة)، فأستلم المباني والأجهزة رغم عدم صلاحيتها، وإنتقلوا إليها من المستشفى القديم الذي ظل مهجورا لمدة عام فقط لاغير..!!

:: أي بعد عام فقط لاغير، تبينت للإدارة المطيعة أن مباني المستشفى الجديد – فعلاً – تهدد حياة الأطباء و المرضى، وأن أجهزة المعمل التي لم تعمل يوما بالمستشفى (أصلا ما شغالة)..نعم، إكتشفوا بأن شبكات الصرف الصحي (مضروبة)، ولذلك تحولت كل الحمامات إلى ( مصدر أمراض)، ثم تحولت الأرضيات والجدران إلى ما تشبه جروف الشواطئ – شقوقاً – بعد موسم الفيضان..أما أشعة الرنين المغنطيسي والأشعة المقطعية وغيرها من أجهزة المعامل، رغم أنها موصوفة بالجديدة، فهي لا تصلح إلا (للعرض فقط لاغير)..عفوا، لها فائدة أخرى، بحيث يمكن بيعها ك ( إسكراب)..!!

:: وأمام هذا الوضع المسمى ب(حصاد الفساد)، لم يجدوا حلاً غير الشروع في إعادة الأقسام التي تلك المباني المهجورة طوال العام ( المستشفى القديم)، قسم النساء والتوليد على سبيل المثال الراهن، ثم خداع الحكومة الإتحادية بما يسمونها حاليا ( شغالين صيانة)، وهي محاولة يائسة للإستمرار في تغطية بؤرة التجاوزات المسماة – مجازاً – مستشفى دنقلا الجديد..ويوم الجمعة، عندما إحتشدت جماهير دنقلا وشرق النيل بالسليم أمام المرشح المستقل أبو القاسم محمد أحمد برطم، ثم عبرت كبري دنقلا وسارت في شوارع المدينة وهي تهتف ( لا لا للفساد)، فالبسطاء لا يعلمون بأن ملف هذا المستشفى بذات قذارة ( ملف الذهب)، ولو كانوا يعلمون لساروا وهتفوا إلى (يومنا هذا)..!!

:: وبالمناسبة، رغم وجود المعتمد وفيالق من الذين نسميهم بالمسؤولين على المستوى التنفيذي والتشريعي، مواطناً كان ذاك الذي ذهب بتقرير المراجع العام – الخاص بملف تجاوزات نصيب المحلية من الذهب – إلى نيابة الأموال العامة شاكياً من وصفهم التقرير بالمتجاوزين..مواطن أحرص – على المال العام – من أجهزة محلية ..وهم اليوم في ( سجون النيابة)، وربما ينتظرون مواطناً آخر يدفع بالقضية إلى قاعات المحاكم..؟؟