انزلاق غضروف القضارف 2-2
(1)
بالعودة إلى العنوان أعلاه، فإننا الآن في مستشفى القضارف، حيث لا شفاء ولا علاج، وكيف يكون هذا المكان مشفى وهو يعاني شُحاً غير مسبوق في (كل شيء) دونما تفصيل ممل، بدءاً من الكوادر الطبية المؤهلة والحاذقة (إلاّ من رحم ربي)، وليس انتهاءً بالعنابر الرثة المتسخة، وبالإهمال الفظيع الذي يعاني منه المرضى المغلوبون على أمرهم.
الولاية التي كانت تعاني شحاً مزمناً في مياه الشرب، ظلت محتفية بذلك الشح بعد أن صار عدماً جراء الإدارة غير الرشيدة لهذه السلعة الحيوية والمهمة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، إذ دأبت العقلية التي تدار بها المياه رهينة تحجرها وتخثرها وفقر خيالها وضعف كفاءاتها تجتر في ذات الحلول والخطط القديمة البالية وتعيد تدويرها تحت عناوين جديدة أكثر بؤساً وأشد إملاقاً. وها هي المدينة عطشى وستظل هكذا بل وستنحدر الأمور إلى الأسوأ ما لم يُطح من يديرون هذا المنشط الحيوي إلى قيعان سحيقة يلزمون قعور بيوتهم فهي أولى بهم بعد كل هذه (الخرمجة) التي طبعت ووسمت أداءهم، لذا عليهم أن يغادروا أو يجبروا على المغادرة.
(2)
شوارع المدينة، عدا واحداً (تمهلوا واصبروا عليه قليلاً) حتى يُحال إلى التقاعد أيضاً، كلها تبدو وكأنها طفح جلدي وبثور متناثرة على وجه القصارف التي عجزت وزارتها المسماة على سبيل الاستعارة (بالتخطيط العمراني)! أي عمران هذا؟، فهو الخراب المديد بعينه، فالناظر إلى طرقات المدينة (دروبها في الحقيقة) يتخليها ثعابين سوداء ببقع رقطاء تتلوى زاحفة عبر الأحياء تنفث السم في هذا وتلدغ ذاك، فأي شوراع تلك وأي مواصفات ومعايير اعتمدت عليها (التخطيط العمراني) في منشطها هذا، الذي هو في الحقيقة (مكره)؟.
أما تخطيط وتوزيع الأراضي الزراعية والسكنية، فاسأل العارفين ببواطنه يأتوك بالخبر اليقين، وأمامي الآن من الإحصاءات والمعلومات ما يجعلني أقرر أن أجري تحقيقاً صحفياً استقصائياً عن هذا الأمر وقريباً جداً.
لكن إلى ذلك الحين، أهفو أن يترجل هؤلاء ويغادروا فربما يغفر لهم ذلك فشلهم الفادح في إدارة ولاية بهذا الثراء وإحالتها إلى إحدى أفقر (وأقبح) الولايات قاطبة، بسبب من قصور ذاتي في الكفاءة والإمكانيات وبسبب من عشوائية الإدارة التي تعتمد على الألسنة الصارخة والحناجر الهاتفة.