النزعات العنصرية للنخبة السودانية 1-2
كنت أنوي العودة إلى تناول هذا الموضوع شديد الحساسية عديد المرات، لكن الأحداث السياسية والمجتمعية المتلاحقة والآنية منعتني مراراً عن هذه العودة التي أتمنى أن تكون (ميمونة).
بالطبع لن تكون عودة مجانية على سبيل الإثارة فقط، لأنني على يقين تام بأن النخبة السياسية ورهط كبير من المثقفين والأكاديميين (المتعلمين)، الذين تبوأوا السلطة والوظائف العليا في الدولة وبسطوا سيطرتهم ونفوذهم على أجهزة الإعلام واحتكروا الكتابة عن الثقافة والتاريخ في السودان، هم الذين – ولأغراض شخصية ضيقة – روجوا وظلوا ولا يزالون يرجون للعنصرية في المجتمع السوداني، الذي لو تركوه يتعايش وفقاً لديناميكية العلاقات بين المجتمعات المختلفة لأستحدث ميكانيزماً خاصة به، ولانتهت تلك الميكانيزم إلى مجتمع متسامح ومتعايش ومتداخل ولقضت بالتالي على أي نزعة عنصرية مقيتة بدءاً بالنكات السخيفة التي تطلقها ما تسمى بالمجموعات الكوميدية وانتهاءً بالخطاب السياسي والإعلامي المُتخلف وغير المسؤول الذي تنتجه كل القوى السياسية موالية ومعارضة، يمينية ويسارية بنسب متفاوتة تزيد لدى هذه وتنقص لدى تلك، ولنا في ذلك من المستندات والوثائق ما يضيق هذا الحيَّز عنها.
ظلت النخب السياسية السودانية وعلى مر العقود الستة التي أعقبت استقلال البلاد تجترح خطاباً عنصرياً مؤذياً ومتخلفاً ومهووساً، وظلت تعتمد على القبيلة والجهة للوصول إلى مؤسسات الدولة ولإقصاء آخرين أكثر تأهيلاً وكفاءة علمية وأخلاقية والحيلولة دون وصولهم إلى تلك المؤسسات.
لم توفر عنصرية النخبة أحداً، ونحن هنا نتحدث عن العنصرية وليس النقد، فلا أحد فوق النقد – مهما علا شأنه واستقام مقامه -، إذ طالت هذه العنصرية – للأسف الشديد – رموز استقلال البلاد ومناضيلها الشرفاء، وعلى رأسهم الأزهري على سبيل المثال لا الحصر.
ما أريد الإشارة إليه هنا أن العنصرية الماثلة أمامي هنا في هذه البلاد، يقل نظيرها في أي بلاد أخرى، ولأن النخب السياسية والثقافية هنا مغرمة بمصر التي يطلقون عليها (مصر القريبة دي)، وكأنها أقرب بلاد الله إلى السودان (كله) بكافة اتجاهاته، وهذا خطأ شائع ينم عن جهل مطبق بالجغرافيا.
في (مصر القريبة دي) لم نسمع أحداً من نخبتها أشار على سبيل التقليل من الشأن والإستصغار إلى أن ممثلين مثل نجيب الريحاني، زينب صدقي، ميمي وزوز شكيب، ليلى مراد، فريد شوقي، أسمهان، فريد الأطرش، جميل راتب، رشدي أباظة، ليلى علوي، عادل أدهم، هند رستم، عمر الشريف، مريم فخري الدين، نادية لطفي، ليلى طاهر، حسين فهمي، سهير البابلي، إبراهيم خان، سعاد حسني، سهير البابلي، شمس الباروي، لوسي، نيللي، عمرو دياب، هالة صدقي، شيرين سيف النصر، سمية الخشاب، أحمد زاهر، إيناس مكي، مي عزالدين، كل هؤلاء على سبيل المثال الصغير فقط، وفي مجال التمثيل خلا المجالات الأخرى، كل هؤلاء تعود جذورهم إلى دول أخرى غير أنهم مصريون أقحاح، يحبون بلدهم ويخلصون لها ويبذلون أنفسهم رخيصة من أجلها، فلماذا لا تقتدي نخبتنا العنصرية بمصر التي تسبح بحمدها ليل نهار، في هذا الصدد وتتخلص من عنصريتها الكريهة.