جعفر عباس

المعجم المفيد (1و2)


لصديقي الفلسطيني الراحل أحمد الشولي إسهامات مقدرة في مجال الإعلام، ولكنه أتحفنا قبل رحيله عن الدنيا، بعمل لغوي ضخم يعد أهم إضافة إلى المكتبة العربية خلال القرن العشرين، فقد أصدر قاموس «المعجم المفيد منشان نفر جديد» ويقول في مقدمة القاموس إنه فوجئ عندما التحق بقناة الجزيرة الفضائية، بأن الزملاء القادمين من مختلف البلدان العربية يجدون صعوبة في التفاهم مع بعضهم البعض إلا بطريقة: عم صباحا يا فتي المغرب، هيا بنا إلى حانوت الطعام لنقتات بعض البقول (فول وفلافل).
ولأنه كان «وحدويا» ويعمل على تقريب الشقة بين الشعوب العربية، ولأنه عاش في منطقة الخليج لعدة عقود فقد أصدر قاموسه الرائع هذا والذي أصبح مرجعا للعاملين بقناة الجزيرة، ومنذ صدور القاموس انعدمت المشاجرات بين الجزيريين بسبب سوء الفهم اللغوي، فذات مرة أراد الزميل محمد كريشان أن يعرب لي عن عرفانه لي بالجميل لأنني صنعت منه نجما، إذ كان لي شرف اكتشاف مواهبه وتقديمه للجمهور حتى أصبح نارًا على علم واستحق لقب كريشان علما بأن اسمه قبل اكتشافي له وإكسابه للشهرة كان محمد كريش!! المهم أن كريشان قال إنه سيدعوني إلى بيته ليقدم لي «حليب الدجاج» فانفجرت في وجهه مستنكرًا استخفافه بي، وحسبت أنه ربما صدق الافتراءات بأنني أصلا من رواندا وأن اسمي الأصلي هو جفافا أباشي، المهم قطعت صلتي بالسيد كريشان وانعكس ذلك على العلاقات السودانية -التونسية عمومًا حتى جاء قاموس الشولي ليزيل سوء الفهم، لأن قاموس الشولي شرح لي أن تلك التسمية العجيبة مترجمة عن الفرنسية لمشروب يضاف إلى عناصره البيض والحليب.
ثم تناولت العشاء ذات ليلة على مائدة السفير التونسي لدى قطر وكان كل شيء أمامي تونسيا صرفا ومنذ يومها تضعضع اعتقادي بأن الشوام هم سادة المطبخ العربي وقررت أنه حتى لو دعاني كريشان إلى تناول الصبار المحشو بالكوسا، سأقبل دعوته بلا تردد مع الاحتياط لأمر واحد، فعلى مائدة السفير العامرة كان هناك طبق صغير به خلطة بهية المنظر، زاكية الرائحة فغمست الخبز فيها كما فعل الآخرون وحشرتها في فمي ويا للهول: انفجرت في بلاعيمي القنابل المسيلة للدموع وتحركت قوات مكافحة الشغب في أمعائي الغليظة وضربت جدار معدتي بالرصاص المطاطي فاستعنت بقوات الإطفاء التي صبت كميات هائلة من المياه في جهازي الهضمي حتى خفت حدة المجابهات، فقد كان ذلك الطبق ذو الشكل البريء نوعا من الشطة لو علم المكسيكيون بأمرها لطالبوا بوحدة فورية مع تونس، ومنذ يومها اقتنعت بأن السودانيين الذين يزعمون أنهم يفطمون على الشطة لا يعرفون شيئًا عن الشطة!
يحوي قاموس «المعجم المفيد منشان نفر جديد» الذي أصدره أحمد الشولي رحمه الله، دررا لغوية، تقرأها وتفهم على الفور لماذا لم تنجح مشاريع الوحدة العربية: تخيل أن خليجيا ذهب إلى مطعم في الجزائر وطلب «نص دياية وعلي ويلم محمر» أول ما سيتبادر إلى ذهن صاحب المطعم الجزائري هو أن ذلك الزبون إرهابي يتحدث بلغة مشفرة، وقد يحسبه من أكلة لحوم البشر لأنه يريد أن يأكل السيد «علي ويلم» محمرا، وبعد تدخل الشرطة سيتضح أن الدياية هي الدجاجة وأن علي ويلم هو البطاطس في عامية أهل قطر (نسبة إلى أنه وفي قديم الزمان كان هناك قطري اسمه علي يتاجر في البطاطا التي يبيعه إياها بريطاني اسمه وليام فحرفوا الاسم إلى «ويلم»)
وإذا كنت صاحب محل بقالة وأتاك قطري متقدم في السن وطلب منك «طاش ما طاش» فلا تعتبره مصابا بالخرف أو بلوثة عقلية، بل قدم له مشروبا غازيًا (كولا) وافتح القوطي (العلبة) أو الغرشة التي هو البوطل التي هي الزجاجة / القارورة، وستسمع صوتا يأتيك: طش طاش، وهنا ستعرف سر تلك التسمية.
صديقي الراحل المرح أحمد الشولي رأف بحال زملائنا في قناة الجزيرة، الذين أتوا إلى منطقة الخليج لأول مرة، وأصدر القاموس الذي أسماه «معجم مفيد مال نفر جديد»، ضمّنه المفردات والعبارات الخليجية غير الدارجة في لهجات عربية أخرى، كما شرح للخليجيين وعرب المشرق والمغرب بعض غرائب تلك اللهجات، وشرح لهم – مثلا – أن «علي ويلم» هي البطاطا وأن طاش ما طاش هي الكولا الغازية في قاموس عواجيز قطر، وإذا تكلم عجوز قطري عن رغبته في شراء بو طماط، فلا تحسب أنه يريد علبة صلصة أو كيتش أب بل علبة سجاير لاكي سترايك، أو اقترح عليه أن يشتري بدلاً منها أبو قطو وهو سجاير كريفن أيه، الذي يحمل صورة قطة، ويسميه السودانيون أبو كديس علما بأن الكديس عند أهل السودان هو القطو الذي هو القطة والكلمة نوبية.
وإذا سألك عراقي: شكو ماكو؟ فلا تفقد أعصابك وتحسب أنه يتهمك بالتهريج إذ شبهك بشكوكو، لأن تلك العبارة تعني نفس ما تعنيه العبارة السورية «شوفي ما في؟» وتعني: ما هي الأخبار؟ ما الذي يجري؟ ويقول الشولي إنه من الحماقة تفويت دعوة مقدمة من عراقي لأكل الباتشا فرغم أن اسمها غير سياحي، إلا أن الباتشا فيما يقول المعجم وجبة دسمة تغنيك واحدة منها عن الأكل طوال أسبوع، مما يفسر محافظة العراقيين على بنيانهم الجسماني الضخم رغم سرقة الحكومات المتعاقبة لثروات البلاد
إنني أهيب بالقراء شراء نسخ من «المعجم المفيد منشان نفر جديد» الذي أصدره المفكر الراحل أحمد الشولي لأن ريعه سيذهب إلى دعم الفقراء في السويد، ولأنه سيعينك على التخاطب مع أخوتك العرب من مختلف البلدان، فمثلا إذا جاءك فلاح سوداني أو فلسطيني وقال لك: عندي سعال!! فلا تنصحه بالذهاب إلى الدكتور أو تنصحه بشرب لبن الحمير كما فعلت أمي معي عندما أصبت بالسعال الديكي!! السعال في الريفين السوداني والفلسطيني هو «السؤال» ويقال: ممكن اسعلك سعال فلا تحسب أنه يريد أن يكح أو يبصق في وجهك وإذا أراد أحدهم أن يحدثك عن «المسعلة» فاستمع له لتعرف ما هي «المسألة».
وإذا سألك سوري: هل تأكل «يهودي مسافر» فلا تنفعل كما حدث معي حيث صحت في وجه محدثي: أنت أيضًا تصدق الدعايات الأوروبية بأن الأفارقة يأكلون لحم البشر؟ نكاية بك سأعترف بالدولة اليهودية!! هنا قال صديقي السوري بكل هدوء: بلا ش يا صاحبي، هل تأكل «حراق أصبعه» وقبل أن أضربه بمسطرة كانت في يدي شرح لي أن اليهودي المسافر وحراق أصبعه طبقان شهيان فقررت على الفور عدم أكل أي طبخة سورية إلا بعد الإطلاع على سيرتها الذاتية وأوراقها الثبوتية تماما كما قررت التوقف عن أكل الشعيرية بعد أن عرفت أن الخليجيين يسمونها بلاليط.
وإذا أردت أن تختبر مدى إلمامك بالعامية الخليجية ترجم القطعة التالية وسأساعدك في مواقف معينة: صرفت العورتيم (أوفرتايم) ورحت الستوديو منشان آخذ عكوس (صورة) وكشخت بالكشمة (النظارة) والجوتي الجديد، لكن دعمت سيارة وما كان عندي بيمه (تأمين) وسويت جنجال مع الدريول الثاني وضربته بالجيك على رأسه، جاء الشرطي سندرني وكتفني بالوير لما رفضت أروح وياه، وحاولت أهرب ضربت رأسي على الجامة وبعدها ما دريت أيش يرمسوالجوتي هو الكندرة التي هي الصرمة التي هي الشوز التي هي الجزمة، والجيك هو الجاك jack الأداة المستخدمة لرفع هيكل السيارة عند تغيير إطار مبنشر (أي فرّغ من الهواء)، ونسميه في السودان «العفريتة»، ربما لأنها قطعة صغيرة وتستطيع حمل سيارة وزنها آلاف الكيلوجرامات.

jafabbas19@gmail.com