ثم ماذا بعد الانتخابات؟
الآن وقد انتهت الانتخابات وانتقلت البلاد إلى مرحلة سياسية جديدة ووضع دستوري جديد، فإن على القوى السياسية جميعاً أن تُرجِع البصر كرتين وتمعن النظر في المشهد السياسي السوداني مقروناً بالمشهد الإقليمي والدولي، وتفكِّر عميقاً في كيفية التعامل مع الأوضاع الدستورية الجديدة من خلال نظر ثاقب يتجاوز الخاص إلى العام والحزب إلى الوطن الذي يتعين علينا جميعاً أن نعمل على إخراجه من كبوته وأزماته الكثر إلى بر الأمان.
كانت القوى السياسية ولا تزال منقسمة إلى ثلاثة تيارات كبرى تتمثل في الحكومة ومن والاها من الأحزاب، وفي قوى سياسية وحركات مسلحة على الطرف الآخر من المشهد السياسي ترفض التعامل مع الحكومة وتسعى إلى إسقاطها بكل الوسائل بما فيها شن تلك الحرب المدمرة التي كبدت السودان وشعبه دماء ودموعاً وخراباً واضطراباً بأكثر مما فعلت بالحكومة وحزبها الحاكم الذين نراهم اليوم قد ظفروا بفترة جديدة من الشرعية سواء اعترفت المعارضة أم لم تعترف ولا عزاء للمعارضين جميعاً.
الطائفة الثالثة التي أنحزنا إليها تتكون من أهل المنزلة بين المنزلتين وهم من يعارضون الحكومة لكنهم يرفضون حمل السلاح وإسقاط الحكومة خوفاً من مصير مجهول وبديل يأتي على أسنة الرماح وتغيير مفروض بالقوة وهو ما يمكن أن ينقلنا إلى الحالة الليبية أو السورية أو الصومالية أو اليمنية، وهو ما ظللنا نتجنبه نحن الذين استجبنا لنداء الحوار الذي ابتدره الرئيس اعترافاً منه بحق المعارضة في أن تشارك في حل الأزمة السودانية وفي صنع مستقبل السودان.
دعونا نأتي إلى المشهد السياسي الحالي من الآخر ونسأل ما الذي تغير في أوضاع السودان بعد هذه الانتخابات وهل شارك المعارضون في صنع الواقع الذي تمخّض عن الانتخابات؟.
بالطبع لا, بدليل أن الحوار توقف وأن وثيقتي خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا لم يجدا حظهما من التنفيذ ولم تسر البلاد وفقاً للمسار الذي اتفق عليه المحاورون سواء من جانب الحكومة أو من شاركوها من القوى المعارضة في صناعة تلكم الوثيقتين.
لست في معرض إلقاء اللائمة على أي من الطرفين فقد قتلنا ذلك بحثاً خلال المرحلة الماضية ولا نريد أن ننكأ الجراح لكننا نريد أن نتباحث حول المرحلة الجديدة بعد أن أفرزت الانتخابات وضعاً دستورياً وواقعاً سياسياً جديداً.
البعض قد يتصور أننا لن نعترف بما أفرزته الانتخابات من واقع نظراً لمعارضتنا قيامها سيما وأنها تمت بدون أن تمر عبر فقرة التوافق التي نصت عليها خريطة الطريق، ولكني أقول إن السياسة هي فن الممكن فالتاريخ يسجل وقد سجل بالفعل كل ما جرى من خروقات ونكوص وأهم من ذلك فإن الله شاهد على ذلك كله.
نحن أولاد اليوم ويجب أن نتعامل مع الواقع الذي نشأ لأن عدم الاعتراف به لن يغير شيئاً كما أنه قد يشكل خطراً على حاضر ومستقبل البلاد ولا خيار لمن يرفض نتيجة الانتخابات غير الانضمام إلى المطالبين بإسقاط النظام بكل الوسائل بما في ذلك حمل السلاح رغم البديل الليبي والسوري والصومالي واليمني والعراقي الذي نخشى أن تنحدر إليه بلادنا.
سنظل في المعارضة وفي نفس المنزلة الوسطى بين الطرفين المتطرفين خوفاً على هذه البلاد التي تعاني من هشاشة مكوناتها الاجتماعية والقبلية التي لا تزال تشن على بعضها حروب داحس والغبراء ومن واقع سياسي محتقن ومضطرب يهدد سلامه الاجتماعي لوردات الحرب الذين أبوا إلا أن يستمروا في ترويع أهليهم رغم أنهم يعيشون وأبناؤهم الذين من أصلابهم في فنادق أوروبا ونعيم العواصم المترفة.. سنظل في المعارضة التي لا تحمل سلاحاً رأينا ما فعله في أهلنا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. لكنها معارضة تنصح وتضغط بالوسائل السلمية حتى يستجيب أهل الحكم لمطلوبات الحكم الراشد والمسار الديمقراطي.
نعم، ظللنا نطلب استقراراً لبلادنا وننشد مساراً ديمقراطياً وحكماً راشداً نعلم كيف طور البلاد والشعوب الأخرى ولا نزال نطلب من المؤتمر الوطني وقياداته أن يترفقوا بهذه البلاد وأهلها وبإمكانهم فعل الكثير.
هل نعتبر الحوار الوطني قد انتهى؟ هذا يحتاج إلى إجابة مستبصرة تخضع أولاً وأخيراً لما تفعله الحكومة في عهدها الجديد ولا أجد من بيده إمكانية وضع البلاد في مسار ينقلها إلى طور جديد يدخل به التاريخ غير الرئيس المنتخب وكذلك لا أجد من بإمكانه أن يغلق أي بادرة أمل في مستقبل جديد غيره.