ماذا فعلت الانتخابات بصاحب الماسورة وأسامة حسونة
لدي عادة متأصلة لم أعرف حتى الآن أين أضعها، في خانة السلب أم في خانة الإيجاب، ولم أدرك بعد ما اذا كانت حميدة أم ذميمة، هذا أو ذاك المهم أنها عادة رافقتني من الشباب الى المشيب، شببت بها وها أنذا الآن أشيب عليها، وملخص هذه العادة هو أنني أجد نفسي مهتماً بالمهزوم أو الفاشل ومشغول بأمره في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار ناحية البطل أو الناجح (أي بطل وأي ناجح في أي شيء)، وأكثر ما تراودني هذه العادة عند ظهور نتائج امتحانات شهادة الأساس أو الشهادة الثانوية، حيث أجد نفسي مهموماً ومغموماً بنتيجة الراسبين بينما الناس تغمرهم السعادة بما أحرزه المتفوقون من نجاح باهر، فتتصدر صورهم وسيرهم شاشات التلفزة وصفحات الصحف وتملأ أثير الإذاعات، وتتكالب عليهم العديد من المؤسسات والأجهزة تحتفي بهم وتكرمهم وتغدق عليهم الهدايا والعطايا، وترمقهم نظرات الإعجاب ويجدون الاهتمام أينما اتجهوا وحلوا، وفي مقابل ذلك تجد الراسبين يعانون الإهمال والنظرة الدونية وربما ينالون سياطاً من الشتائم تنهال عليهم من ألسنة سليطة، وقد رأينا كيف أدى هذا الحال لمحاولات انتحار عديدة منها ما نجح ومنها ما تم تداركه، وعلى كل حال أن يجد الناجحون والمتفوقون الاهتمام والاحتفاء، فذلك حق لا نغمطهم له، وأن يجدوا أجهزة تُنشأ خصيصاً لرعايتهم، فذلك كسبهم الذي لا نغبطهم إياه، ولكن أليس للفاشلين مسؤولية على الدولة والمجتمع وأجهزة الإعلام، أليس من واجبنا أن نرعى الراسبين أو الفاشلين في أي مجال وليس فقط في مجال التعليم لإعانتهم على تجاوز الصدمة الأولى ثم إعادة تأهيلهم نفسياً لكي يتأهلوا للنجاح مرة أخرى، فليس هناك فشل كامل كما ليس هناك نجاح كامل، فهذا وذاك كلاهما نسبي والكامل وحده هو الله، أظن أنه من الواجب علينا الالتفات لهذا الجانب المنسي في قضية (النجاح والفشل) للاهتمام بالفاشلين والأخذ بيدهم أكثر من الاهتمام بالناجحين والمتفوقين، لأن هؤلاء قد عرفوا طريق النجاح فسلكوه ونالوه، فمن فشل في شيء مرة يمكنه أن ينجح في الأخرى، كما أن الفشل ليس هو نهاية الحياة بل غالباً ما يكون أولى عتبات النجاح.
تلبستني هذه العادة مع بداية ظهور نتائج الانتخابات وإعلان أسماء الفائزين فيها، وكالعادة لم أنشغل بمن أصابوا فيها النجاح ممن أذيعت أسماؤهم وذاعت أخبار فوزهم وابتهاجهم به، على النحو الذي صاحب فوز كل من برطم ومبارك عباس بشكل لافت جداً وبصورة أقل المستقلين الآخرين اللذين فازوا على عتاة الحزب الحاكم، فبينما كانت كل الأنظار تتجه الى هؤلاء، كان تفكيري ينصرف الى ذاك المرشح الذي اختار رمز الماسورة طائعاً مختاراً أو ربما مكرهاً لأنه لم يجد بديلاً له، وكان هذا المرشح بالذات قد نال تعاطفي منذ لحظة توزيع الرموز، للدلالة السالبة لهذا الرمز عند السودانيين منذ أن صارت (الماسورة) رمزاً لكل ما هو فاشل ومضروب، ومثله انصرف همي لمرشح الاتحادي الأصل؛ أسامة حسونة الذي تولى مع مولانا الصغير كبر فصل دهاقنة الحزب وقدموهم قربانا للمشاركة في الانتخابات ، والذي جعله الحزب الحاكم ينافس أحد كبار متنفذيه.. ماذا فعلت بهما الانتخابات يا ترى.