الطاهر ساتي

أُولى العزم و..الوعي ..!!


:: قبل أسبوع من الإقتراع، عندما كانت عيون الصحافة تُحدًق في أحداث دائرة دنقلا القومية وما بها من تنافس بين مرشح المؤتمر الوطني بلال عثمان بلال والمرشح المستقل أبو القاسم برطم، كانت لجنة برطم هناك تُضع خُطة مُحكمة لإكتساح تسعة مراكز فقط لاغير من جملة المراكز التي تتجاوز ال ( 60)، وذلك في إطار إخراج دنقلا – لأول مرة في تاريخها – من قبضة الأحزاب..والمراكز التسعة ليست فقط لأنها ذات كثافة في تسجيل الناخبين، بل لأنها قرى قيادات المؤتمر الوطني بالولاية والمحلية..هزيمة الخصم السياسي في عقر قريته تُشكل ثلاثة أرباع الإنتصار و تُمهد الطريق للإنتصار الكامل، وهذا ليس من السهل في زمان يتدثر حاله بالعشائرية و ( زولي و زولك)، وغيرها من موبقات السياسة السودانية.. ومع ذلك، أي رغم صعوبة الأمر، إجتهدت لجنة برطم في تنفيذ خطتها تلك بإستغلال وعي مجتمع دنقلا وأريافها كما يجب ..!!

:: ولذلك، قبل الخامسة مساء يوم الفرز – مع مراكز أخرى على ضفتي النيل – كسب بُرطم أصوات (التسعة مراكز).. مركزاً تلو الآخر، لتخرج المسيرات وتؤمن بقية المراكز من (أساليبهم الفاسدة)..وقد لايصدق القارئ أن مرشح المؤتمر الوطني بدائرة دنقلا القومية، وهو نائب رئيس الإتصال التنظيمي بمركزية الحزب وكذلك نائب رئيس اللجنة العليا لإنتخابات الحزب، أي الرجل الرابع في المكتب القيادي للحزب، خسر أصوات (مركز قريته – أقدي – أولاً)، أي قبل أن يخسر أصوات مراكز القرى الأخرى..وقد لايُصدق القارئ أيضاً أن مرشح الوطني، بعد أن خسر أصوات أهل قريته بمركز أقدي، خسر أيضاً أصوات أهل (مركز كابتود)..!!

:: وكابتود، القرية الثورية بالفطرة، هي مسقط رأس معتمد دنقلا ورئيس المؤتمر الوطني بمحلية دنقلا، وكذلك مسقط رأس رئيس المؤتمر الوطني بوحدة دنقلا، وعدد من أعضاء الحزب بالولاية والمحلية والوحدية.. نعم، فالذين يسمونهم بالمسؤولين هناك لم يخسروا الدائرة فقط، أو كما يظن الرأي العام.. بل كشفوا – لأهل الدائرة قبل الرأي العام – بأنهم ليسوا بجديرين حتى بأن ينالوا ثقة أهلهم وجيرانهم و أريافهم التي هم ولدوا وترعروا وعاشوا – ويعيشون – فيها ..وعليه، من مشهد تساقطهم في مراكز أمام منازلهم ، فالدرس الأول في إنتخابات دائرة دنقلا القومية ( لا للمحسوبية والمحاباة)..!!

:: فالثقة كانت هناك لمن يرونها يستحق ثم سحبها ممن يرونها لا يستحق حتى ولو كان (إبن قريتهم)..وهذا الدرس العظيم لم يُعد خصيصاً لنهج الوطني الذي كثيرا ما يراهن على ( موبقات الزمن)، بل هو درس لكل مجتمعات السودان وأحزابها وجماعاتها التي تُقزم مصالح البلاد والشعب العليا في مواعين إجتماعية وثقافية ( ضيقة جداً)..وبالمناسبة، ليس أهل دائرة دنقلا فقط، بل حتى الأهل بدائرة أبو حمد أيضاً خيًبوا ظنون و تكهنات الصحافة والرأي العام، وإنحازوا بمختلف مواعينهم الإجتماعية إلى المرشح المستقل مبارك عباس، أو هكذا كان ولا يزال وعيهم المتجاوز – رقياً ونبلاً – وعي ساسة وأحزاب وجماعات نظرية ( فرق تسد)..!!

:: ثم..من المراكز التي كسب ثقة أهلها كان ذات أهداف أعمق من ( كسب دائرة إنتخابية)، وهذا درس آخر أيضاً، (مراكز عاصمة الولاية).. (10 مراكز)، تتوسط مباني ومقار أجهزة الحكومتين الولائية والمحلية التشريعية والتنفيذية، وتحيط بها مباني ومقار ودهاليز الحزب الحاكم بالولاية والمحلية، وكل المرافق الخدمية.. أي هي مراكز بمثابة قلب النشاط السياسي لللحكومة وحزبها ..(10 مراكز)، لم يكسب مرشح المؤتمر الوطني من أصواتها غير أصوات ( مركزين فقط لاغير)..وعليه، بتدافعهم إلى صناديق الإقتراع وبحراستهم لتلك الصناديق أربعة أيام بواسطة شبابهم، فأن الأهل بدائرة دنقلا لم ينتخبوا فقط مرشحاً مستقلاً إلى البرلمان ولم يُسقطوا فقط الرجل الرابع في المؤتمر الوطني، بل إمتحنوا عزيمتهم وإرادتهم في مادة ( التغيير والتجديد).. وبفضل الله، نجحوا في وطن مكلوم بالمهزومين ( نفسياً) ..!!