بعد انفضاض مولد الانتخابات لن يقول أحد (يلا بلا لمة)
الآن وبعد أن انفض مولد الانتخابات وانتهت الى ما انتهت اليه، لن يستطيع أحد حتى أشرس المقاطعين لها، أن يطلق عليها مقولة راحلنا الأديب الساخر أبو آمنة حامد الشهيرة (يلا بلا لمة)، التي قيل إنه أطلقها عندما قرر العودة النهائية الى السودان من مهجره الخليجي، مغاضباً وراكلاً بإباء عرف عنه عرضاً مغرياً بتولي مسؤولية تحرير إحدى الصحف الخليجية، وكان سبب غضبه أن رئيس تحرير الصحيفة التي كان يعمل بها سطا على مقال كتبه أبو آمنة ونسبه رئيس التحرير الى نفسه، وعلى إثر هذه السرقة الصحفية؛ قرر العودة وأطلق مقولته التي سار بذكرها أهل السودان (أرمي بذور في أرض القضارف تجي المطرة يطلع الزرع أحسن لي.. يلا بلا خليج بلا لمة). أقول لا أحد يستطيع أن يقول عن الانتخابات (يلا بلا لمة)، ذلك لأن الذي انتهى منها ما هو إلا جانبها الإجرائي، بينما بقي جانبها الأهم والأخطر وهو ما ستفرزه من نظام قادم وتشكيلة تنفيذية وتشريعية قادمة، ماذا سيكون شكل هذا النظام ومما تتألف أطرافه وكيف ستساس شؤون البلد، والى أي مدى سيأخذ البرلمانيون الجدد عمل البرلمان بحقه، وهذا يعني أن أثرها اللاحق سيلاحق الكل بلا فرز، المعارضين قبل المؤيدين والمقاطعين قبل المصوتين على مدى خمس سنوات قادمة على الأقل .
كل هذه الأسئلة الجوهرية والمصيرية عن ما ستفرزه الانتخابات، يعتمد بالدرجة الأساس على قراءة الحزب الحاكم وقبله الرئيس لمجرياتها وسيناريوهاتها ويومياتها بكل أمانة وتجرد، من حيث نسبة المشاركة ومجريات التصويت، بل والأهم حتى من لم يصوتوا باعتبارهم مواطنين لهم كامل الحقوق، فهل يا ترى سيقرأ الحزب الحاكم ما جرى في الانتخابات وما خلصت اليه بواقعية تجعله يعيد النظر في ادعاءاته ودعاويه السابقة من عينة (لدينا عشرة مليون عضو ملتزم لو خضنا بهم البحر لخاضوه)، وغيرها من سلوكيات وممارسات وسياسات أرساها الحزب بل صيرها من المسلمات، أم تراه سيستمر فيما هو عليه وفيه، ولا يرى في نتائج هذه الانتخابات سوى صورة نفسه الأمّارة بالتعالي، ولا يقرأها إلا على أنها ثبتت شرعيته ورسخت قدمه وأثبتت حب السواد الكاسح من الجماهير لقادته ومرشحيه، وبصمت بالعشرة على حكمه ونهجه السياسي، لينتهي الحال ما بعد الانتخابات الى ذات ما كان عليه قبلها وكأنها لم تكن ولم تبعث بالكثير من الرسائل والمؤشرات، فتصبح بذلك الانتخابات مجرد عملية روتينية إجرائية شكلية لا تحمل أي جديد وليس فيها من سمات التغييرات والتعديلات أي ملمح.. وما علينا سوى أن ننتظر لنرى نتائج قراءة الحزب الحاكم لنتيجة الانتخابات وقبل ذلك مجرياتها.