“خاء” الخارجية و”خاء” الوالي
(1)
يا الله عليك يا (فراس سليمان). إنك تكتُب شعراً يجعلني أحتقر قوافي وتفعيلات كثيرة، شعراً يحفز على التأمل ويقدح الخيال.
وظللت لسنواتٍ طويلة (عقود) كلما حاقت بي مصائب الدهر وأحاطتني نوائبه، خاصة فيما يتعلق بالأداء السياسي بشقيه الداخلي (حكومة ومعارضة) والخارجي (دبلوماسية حكومية وأخرى معارضة) أستدعي أشعار صديقي فراس سليمان منذ أن كان يكتب تحت اسم (غادة الأسعد) في مجلة الآداب الأجنبية.
وأمس حين كنت أنظر بطرفيّ إلى عناوين الصحف، ذهلت لما عدَّته وزارة الخارجية في توصيفها لبيان الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) الناقد للانتخابات التي أجريت مؤخراً في البلاد بأنه تدخلٌ في الشؤون الداخلية!
غريب هذا التوصيف، وأكثر غرابة كونه صادراً عن الخارجية التي تعلم أن مثل هذه البيانات لا تعد تدخلاً في شؤون داخلية ولا يحزنون، وإنما هي توصيف لما جرى بحسب رأي الجهة الصادرة عنها.
صحيح من حق الخارجية أن تستدعي سفراء الترويكا لتطلب توضيحات، لكن أن تُعد البيان الصادر عن تلك المجموعة تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية (حتة واحدة كده) ثم ترمي بكل ذلك إلى مينشيتات الصحف، فإنه أمر يستدعي الاستعانة بشعر فراس سليمان إذ يقول: “تحاول تقليد المطر ستصبح بركة وحل آسنة”.
(2)
ليست (خاء الخارجية) وحدها ما تستدعي استحضار فراس، إذ أن (خاء) والي الخرطوم (الخضر) تجعلك تتعجل استنجادك بالرجل، فقد عاد الوالي فجأة إلى سيرة المواصلات الداخلية، بعد أن نسيناها وطوينا صحفتها وفكرنا في الحمير وفي البغال، فالرجل كان وعدنا أنه بحلول مارس الماضي ستدشن البصات النهرية، أما القطارات فقد وعدوا بتدشينها في العام (2013م) قبل الماضي (أي والله).
لكن الخضر صمت قليلاً، حتى انصرم مارس، وما إن حل يوم أمس من الثلث الأخير من أبريل (الجاري) حتى جرى لسانه وانطلق فصيحاً بليغاً ذرباً على دروب البر المسفلتة والوعرة، ومسالك الحديد، ومسارات المياه العذبة يعدها بأن تمشي (المواصلات) في مناكبها بإذن الله.
قلت اسمعني يا فراس، ماذا قلت في قصيدتك (بلاد ملعونة)، فقال: “في الردهة الطويلة تتمشى وظنونك، جارّاً ظلاً ثقيلاً من اللا إيمان.. تدخل قاعة المستقبل ترى شاشة لا حجم لها سوداء تقطر أحلاماً فاسدة. أنتَ الذي ما عادت حماسةٌ لتشدّكَ إلى شيء، ولا شغف يدفعكَ إلى غد. تقرأ المجردات في متحف الرعب هذا، جملةً واحدة: إنها بلاد ملعونة”.