جعفر عباس

الأمنية التي جنّنت الجن


كان أحد السودانيين يتسكع في شارع النيل في الخرطوم، عندما عثر على جرة محكمة السداد فداعبت الآمال خاطره: ياما أنت كريم يا رب، ربما أجد بداخلها فسيخا معتقا أو مخللا وربما أجد فيها وثيقة توصي لمن يعثر على الجرة ببعض المال. تلفت يمنة ويسرة وتأكد له خلو الشاطئ من البشر وفتح الجرة فتسرب منها دخان خفيف، ثم تشكل الدخان على هيئة كائن حي فإذا به جنّي يعاني من سوء التغذية والهزال. ترنح الجني قليلاً ثم شكر الزول قائلاً إنه ظل رهن الاعتقال التحفظي في انتظار تقديمه للمحاكمة طوال 2345 سنة بعد أن اتهمه زعيم الجن بضعف الولاء لثوابت الأمة الجنية، وظل طوال فترة الاعتقال محروما من الطعام الجيد والرعاية الصحية ثم اختتم الجني حديثه بأن طلب من الزول أن يأتيه بسندويتش فول وفلافل.
هنا لطم الزول خدّه وصاح: أي تعاسة هذه؟ أعاني من سوء الحال والمآل، وغيري يخرج جنيا من القمقم فيعطيه حق تمني ثلاثة أشياء، بينما أحرر أنا جنيا فإذا به كحيان ومن مستحقي الزكاة ومن فرط خيبته يحسب الفول طعامًا «جيدًا». هنا قال له الجني: لا تحزن يا زول فعلى هزالي فإنني سألبي لك أمنية واحدة، وعليك بالتالي أن تفكر جيدًا لتطلب ما تشتهيه نفسك. فما كان من الزول إلا أن انطلق إلى مطعم مجاور واشترى أربعة سندوتشات فول وفلافل، وتوجه إلى شاطئ النيل حيث قدم السندويتشات إلى الجني الذي التهم أربعتها في لقمة واحدة ثم تجشأ كما يفعل كل من يأكل الفول المشهود له بتوليد غاز السيانيد السام في الرئتين مما يعرض مدمني الفول للسكتة الدماغية. بعد ذلك انفرجت أسارير الجني وقال لصاحبه: يللا لك أمنية واحدة أحققها لك.
فكر الزول وقدر ثم قال: منذ طفولتي وأنا أحلم بزيارة نيويورك وحال دون تحقيق ذلك الحلم قلة المال في بيت المال وخوفي من ركوب الطائرات، وكل ما أريده منك هو أن ترصف لي شارعا يربط أم درمان بنيويورك. انتفض الجني حتى تحول إلى مارد: اسمع يا حمار، أعطيك فرصة لتحقق حلم حياتك فتطلب مني أن أزور جميع مصانع الأسمنت والحديد في العالم لأوفر المواد اللازمة لطريقك عديم الجدوى هذا؟ هل تعرف كم عمودا ودعامة سأحتاج إليها كي يمر ذلك الطريق فوق الصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي؟ دعك من مطلبك السخيف هذا واطلب شيئًا أستطيع تحقيقه لك، وإلا فإنني على استعداد لإخراج فولك وفلافلك من بطني وردها إليك.
أسقط في يد صاحبنا وحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وقال للجني: لا بأس، لأن عندي أمنية اعتقد أنك قادر على تحقيقها، وفحواها أنني أريد أن يحكم السودان شخص عادل ومخلص لم يبلغ السبعين، بحيث يصبح السودان قادرا على تقديم قرض للكويت في غضون خمس سنوات، ومن باب «فش الغل» تساءل الزول: لماذا لا يمنح السودانيون فرصة الزعامة لجعفر عباس الذي يزعم أن البركة حلت فيه بعد أن استبدل دماغه بـ«سي دي» CD كي يحق له أن يزعم أنه «سيدي» كما يزعم ديناصورات السياسة في السودان؟ لماذا لا يقتدي السودانيون باللبنانيين الذين فشلوا في حكم بلادهم فاستولوا على السلطة في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية ونجحوا في إثبات كفاءتهم (الاستثناء الوحيد كان عبدالله بوكرم الذي انتخب رئيسا للاكواردور وشوهد وهو يرقص منتشيا في الشوارع ليل نهار بعد أن بعث إليه أقاربه بالعرق الزحلاوي وقبل أن يفيق من نشوة الفرح كانوا قد أنهوا خدماته). يا سيد يا جني ساعدني على تحقيق هذا الحلم لبلادي. عندئذ صرخ الجني: بس كفى يا أهبل! هل تريد الطريق بين الخرطوم ونيويورك باتجاهين أم اتجاه واحد؟

jafabbas19@gmail.com