ضياء الدين بلال

(البلطجية والأونطجية)!


-1-

في ليلة الاعتداء على ناشر صحيفة (المستقلة) علي حمدان، تلقيتُ اتصالاً هاتفياً منه، قال لي خلاله إنه تعرَّض لمحاولة اغتيال جوار منزله.
حينما زرتُ حمدان، وجدتُ الرجل مصاباً إصابة بالغة في الرأس، ربما لولا لطف الله، كانت ستُودي بحياته، أو تُلحق به عاهة دائمة.
وجدتُ مع حمدان اللواء عبد العزيز عوض، مدير مباحث ولاية الخرطوم، وهو رجل مباحث مشهود له بالكفاءة العالية.
أدرنا نقاشاً مع اللواء عبد العزيز عن ظاهرة الاعتداء على الصحفيين، وقلنا إن تقييد مثل هذه البلاغات ضد مجهولين ستطعنُ في كفاءة الشرطة السودانية، والأخطر أنها ستفتح الباب واسعاً أمام معتدين جدد يقفون على مداخل الطرق!

-2-

حينما تم الاعتداء على الباشمهندس عثمان ميرغني في رمضان الماضي كتبتُ في هذا العمود:
(إذا لم يتم إلقاء القبض على الجناة ومعاقبتهم بعقوبات رادعة، فسيصبح ما حدث مع عثمان نموذج اقتداء لآخرين، وستصبح النهايات في المرات القادمات مفتوحةً على أسوأ السيناريوهات. لا بد من مراجعة منظومة الحماية الأمنية بالعاصمة، مع ظهور هذه المجموعات المنفلتة. ما حدث مع عثمان يمكن أن يحدث غداً مع سياسيين أو إعلاميين آخرين، ويمكن أن يشجِّع على تكوين مجموعات أخرى على نموذج البلطجية في مصر للقيام بمهام متعددة).
مضى عامٌ، ولا يزال المعتدون على عثمان ميرغني طلقاء، بل الأدهى والأمر، أن حادثة أخرى على زميل آخر قد تلقى ذات المصير بأن تُقيَّد ضد مجهول!
-3-

الخرطوم ظلَّت في عهد كل الحكومات الوطنية، من العواصم الأكثر أمناً على مستوى العالم، وذلك بشهادة المقيمين والعابرين من الأجانب والأشقاء.
مثل هذه الحوادث وبالطريقة التي تمت بها مع (عثمان وحمدان)، غير معهودة ولا مألوفة في الخرطوم، وهي حوادث تنتمي لعمليات إجرامية تقع عادةً في مناطق الاضطراب الأمني لا في العواصم الآمنة.
ثقوا تماماً، أن هذه الظاهرة لن تتوقف، بل ستزداد يوماً بعد يوم، طالما أن مُهمَّة الاعتداء على أيِّ صحفي في مكتبه أو منزله، نهاراً أو ليلاً، مُهمَّة يسيرة ومأمونة العواقب!
-4-

ظاهرة الاعتداء على الصحفيين، يجب أن تخضع لدراسة عميقة من كل الجهات ذات الصلة، وفي مقدمتها اتحاد الصحفيين. فلا يكفي إصدار بيان صحفي، لا يضمِّدُ الجرح، ولا يُجبُر العظم ولا يُبرئ العين.
ضعف التفاعل مع مثل هذه الحوادث وتكرارها، ستجعلها حوادث معتادة لا تثير دهشةً ولا تستحق إدانةً أو استهجاناً.
وستصبحُ الإصابات المترتبة على الاعتداء على الصحفيين، مثل إصابات العمل، أو ربما تشبه إصابات الملاعب!
-5-
لا أُنكر، توجد ممارسات في الوسط الصحفي تُراكم كثيراً من الغبن والغيظ لدى جهات وأفراد، تُلحق بهم كتاباتٌ غير مسؤولة أذى معنوياً وأدبياً، وربما مادياً.
الصحافة مثل كثير من المهن تقع في أخطاء، كما تسلَّل على حوائطها أصحاب أجندة غير مهنية ولا أخلاقية، وباتوا يستغلُّون سلطة القلم في تصفية حساباتهم الشخصية، ولدعم أرصدتهم البنكية عبر حملات ابتزاز مفضوحة، أو عبر منافقات مدفوعة الثمن.
صحيحٌ أنهم قِلَّةٌ في الوسط الصحفي، ولكن بمرور الأيام وتكاثر الصحف وسهولة الحصول على البطاقة الصحفية؛ سيتحوَّلون لأغلبية يشكِّلون السمة العامة للمهنة.
كما أننا نطالب السلطات بحماية الصحفيين من معتدي الليل والنهار، لا نجد في أنفسنا حرجاً من مطالبة اتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة وكل جهات الاختصاص، بحماية المجتمع من صحفيين وكتاب يستخدمون حبراً ملوثاً وأقلاماً صدئةً في التعامل مع قضايا المجتمع وجراحه!