رفقاً بشيوخ وحرائر الشام
كلمات تقطع نياط القلب تلقيتها من أحدهم حول أوضاع الجالية السورية في السودان فما أتعس هذه الدنيا وأقساها والتي تجعل حرائر الشام وشيوخها وأطفالها يعانون من الضيم وذل الحاجة والمسغبة، ما أتعسها وما أتفهها وهي تلجئ أبناء بل ونساء أرض الرسل والأنبياء إلى ذل الحاجة وتكفّف أيدي الناس؟
كتب إليّ أحدهم عما فعله بشار الأسد بشعب كريم بات كثير من أفراده يهيمون على وجوههم بين بلاد الدنيا.. قال والحسرة تملأ قلبه إن البلاد التي كانت تستقبل أولئك المهجرين من أرض الشام أخذت تتلكأ وتعبس في وجوههم بل إن كثيرًا منها بات يغلق أبوابه ويوصدها أمامهم ولم يبق إلا السودان الذي يحمد له أنه لا يزال يتيح للشعب السوري الدخول بغير تعقيد من إجراءات ولكن!.
تدخل الأسر التي هدمت بيوتها ونجت بجلودها فرارًا من الموت إلى السودان طلباً للأمان ولكن القليل الذي يحملون من المتاع سرعان ما يستنفد في أيام قليلة يقضونها في الفنادق ثم يواجهون بعدها المجهول في بلاد لا أهل لهم فيها ولا معين.
قليل منهم قد يجد من يمد إليهم يد العون ولكن الكثرة الكاثرة تعاني.. صدقوني أن قلت لكم إنني شعرت بحزن عميق حين شاهدت شاباً سورياً في مسجد مغمور داخل حي الدوحة بامتداد حلة كوكو يقف أمام المصلين ليحكي عن حال أسرته المكونة من أم عجوز وزوجة وأطفال صغار لا يعرفون مكاناً يقضون فيه الليل.
قال من كتب إليّ مشفقاً على حرائر الشام العفيفات من حفيدات المهاجرين والأنصار الذين دخلوا إلى أطيب بلاد الدنيا أيام الفتوح الإسلامية.. كتب مشفقاً أن يستغل أولئك الطاهرات بعض ضعاف النفوس وطلب إليّ أن أخاطب الرئيس البشير أن يفتح أرض المعسكرات للاجئين السوريين مجاناً بحيث تقوم المنظمات بعد ذلك بواجب إيواء وتوفير العيش الكريم لأولئك المهجرين إلى أن تنجلي محنتهم.
أحلام مستغانمي بين العلماء والمطربات!
أدعوكم قرائي الكرام للتأمل في مقال الكاتبة الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي وهي تتهكم بسخرية لاذعة من واقعنا المأساوي الذي يحتفل بمحقرات الأمور وسفسافها بينما يضطهد العلم والعلماء.
خبر صغير أيقظ أوجاعي. لا شيء عدا أنّ الهند تخطّط لزيادة علمائها، وأعدَّت خطّة طموحاً لبناء قاعدة من العلماء والباحثين لمواكبة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية في مجال الأبحاث الحديثة. لم أفهم كيف أنّ بلداً يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر الْمُدْقِع، يتسنّى له رصد مبالغ كبيرة، ووضع آلية جديدة للتمويل، بهدف جمع أكبر عدد من العلماء الموهوبين من خلال منح دراسيّة رُصِدَت لها اعتمادات إضافية من وزارة العلوم والتكنولوجيا، بينما لا نملك نحن، برغم ثرواتنا المادية والبشرية، وزارة عربية تعمل لهذه الغاية، (عَدَا تلك التي تُوظّف التكنولوجيا لرصد أنفاسنا).
أيّ أوطان هذه التي لا تتبارى سوى في الإنفاق على المهرجانات ولا تعرف الإغداق إلاّ على المطربات، فتسخو عليهنّ في ليلة واحدة بما لا يمكن لعالم عربي أن يكسبه لو قضى عمره في البحث والاجتهاد؟ ما عادت المأساة في كون مؤخرة روبي، تعني العرب وتشغلهم أكثر من مُقدّمة ابن خلدون، بل في كون اللحم الرخيص المعروض للفرجة على الفضائيات، أيّ قطعة فيه من “السيليكون” أغلى من أي عقل من العقول العربية المهددة اليوم بالإبادة. إن كانت الفضائيات قادرة على صناعة “النجوم” بين ليلة وضحاها، وتحويل حلم ملايين الشباب العربي إلى أن يصبحوا مغنين ليس أكثر، فكم يلزم الأوطان من زمن ومن قُدرات لصناعة عالم؟ وكم علينا أن نعيش لنرى حلمنا بالتفوق العلمي يتحقّق؟ ذلك أنّ إهمالنا البحث العلمي، واحتقارنا علماءنا، وتفريطنا فيهم هي من بعض أسباب احتقار العالم لنا. وكم كان صادقاً عمر بن عبد العزيز (رضي اللّه عنه) حين قال: “إنْ استطعت فكن عالماً. فإنْ لم تستطع فكن مُتعلِّماً. فإنْ لم تستطع فأحبّهم، فإنْ لم تستطع فلا تبغضهم”. فما توقَّع أن يأتي يوم نُنكِّل فيه بعلمائنا ونُسلِّمهم فريسة سهلة إلى أعدائنا، ولا أن تُحرق مكتبات علمية بأكملها في العراق أثناء انهماكنا في متابعة “تلفزيون الواقع”، ولا أن يغادر مئات العلماء العراقيين الحياة في تصفيات جسدية مُنظَّمة في غفلَة منّا، لتصادف ذلك مع انشغال الأمة بالتصويت على التصفيات النهائية لمطربي الغد. تريدون أرقاماً تفسد مزاجكم وتمنعكم من النوم؟ في حملة مقايضة النفوس والرؤوس، قررت واشنطن رصد ميزانية تبلغ 16 مليون دولار لتشغيل علماء برامج التسلُّح العراقية السابقين، خوفاً من هربهم للعمل في دول أُخرى، وكدفعة أُولى غادر أكثر من ألف خبير وأستاذ نحو أوروبا وكندا والولايات المتحدة. كثير من العلماء فضّلوا الهجرة بعد أن وجدوا أنفسهم عزلاً في مواجهة “الموساد” التي راحت تصطادهم حسب الأغنية العراقية “صيد الحمَام”. فقد جاء في التقارير أنّ قوات “كوماندوز” إسرائيلية، تضم أكثر من مئة وخمسين عنصراً، دخلت أراضي العراق بهدف اغتيال الكفاءات المتميزة هناك. وقد حددت المخابرات الأميركية قائمة تضمّ 800 اسم لعلماء عراقيين وعرب من العاملين في المجال النووي والهندسة والإنتاج الحربي. وقد بلغ عدد العلماء الذين تمت تصفيتهم وفق هذه الخطة أكثر من 251 عالماً.