جعفر عباس

«مفكر» رغم أنوفكم!

أود هنا أن أؤكد أنني «مفكر» بدليل أنني قل أن أهنأ بنوم مريح من فرط التفكير في مستقبلي بوصفي كاتبا واعدا صاعدا، وفيفي عبده أيضًا مفكرة لأنها تخطط لحفلاتها وحركاتها وملابسها، باختصار، كلنا مفكرون ومفكرات باستثناء مقدمات برامج البث المباشر التلفزيونية، اللواتي يتكلمن ثم يفكرن فيما قلنه، والدليل القاطع على أنني مفكر هو الدراسة التي أعددتها عن مستقبل الشيشة بعد الاجتياح الروسي للشيشان، و«تأثير طالبان على الحركة الطلابية في السويد»، ولكن لا أفهم سر إحجام وسائل الإعلام العربية عن تقديمي للجمهور كمفكر.
وقرأت استطلاعا لآراء «علماء ومفكرين» عرب حول الزواج والطلاق في العالم العربي، واقترح من أدلوا بدلائهم حول هذين الموضوعين إدخال تعديلات على عقود الزواج، بما يكفل حقوق الزوجة، وكنت قد سبقت الجميع عندما اقترحت في ذات ندوة، أن تتضمن عقود الزواج تحميل أهل الزوجة كُلف الصيانة التي تخضع لها الزوجة في هيكلها العظمي وجهازي الهضم والتنفس وذلك طوال السنوات السبع عشرة الأولى من الزواج، وتحميل الزوج نفقات علاج الزوجة فقط فيما يصيب قلبها وكبدها من منطلق أن أوجاع الكبد والقلب عند النساء يتسبب فيها الرجال.
وبكل عدم تواضع أقول إنني صاحب خبرة زوجية عالية، ولست بحاجة إلى نصيحة من عالم سوسيولوجي أو سايكولوجي (استخدام المصطلح الإفرنجي ضروري للهيبة والوقار اللازمين لاكتساب لقب مفكر)، كي أفتي في مسائل الزواج والطلاق، أو الدفاع عن حقوق الرجال الذين أصبحوا مجرد شوارب لا تهش ولا تنش ولا تعرف الفرق بين الفياغرا والمش (بكسر الميم). وفحوى الاستطلاع يصور الرجل العربي كوحش كاسر مع أنه في حقيقة الأمر غلبان مثل سرحان عبدالبصير، والملاحظ أن جميع الكتاب يعمدون إلى تداول عبارات تمجد المرأة على حساب الرجل، ومن ذلك ترديد: وراء كل رجل عظيم امرأة، هذا كلام فارغ، وإذا تبجحت امرأة بأنها جعلت من زوجها مليونيرا، فتأكد من أنه كان مليارديرا قبل الزواج، ولا يستطيع رجل عربي أن يعرف على وجه التحديد كم كلفه الزواج لأن الحبل على الجرار ويظل المسكين يدفع كُلف الزواج إلى أقرب الأجلين: الموت أو الطلاق.
وتردد النساء مقولات كثيرة للحط من قدر الرجال، ومنها أن العقاب الرادع لمن تخطف زوج امرأة أخرى هو السماح لها بالاحتفاظ به. أو ما تناقلته الصحف البريطانية مؤخرا من أن امرأة نشرت إعلانا مبوبا قالت فيه: «مطلوب زوج»، فجاءتها مئات الرسائل المتشابهة النصوص: خذي زوجي! ولعل المرأة الوحيدة التي أنصفت الرجل بشكل غير مباشر هي الممثلة الراحلة جاجا (وليس زازا) غابور التي لم تستطع حصر الرجال الذين تزوجت بهم واعترفت بأنها «ربة بيت» ممتازة لأنها كلما طلقت رجلاً استولت على بيته وأصبحت هي «ربته»، أي مالكته، فالزواج عندها يتعلق بالحب في حين أن الطلاق يتعلق بالمال.
وعيوب الرجل العربي بسيطة، ومنها زوغان العين، ويعاب على الرجل العربي أنه ديكتاتور في بيته، ولكن لا ذنب له في ذلك، لأن ذلك حق مكتسب، فالديكتاتورية وقف على الرجال، يتدكتر عليهم أولياء الأمور فيتدكترون على نسائهم وذريتهم، ولأن كلامي هذا سيثير غيظ النساء، وهو ما هدفت إليه، فإنني اختتم خواطري المبعثرة هذه بحكاية طريفة لزوج أمريكي، كان «يذاكر» من وراء زوجته واستيقظ ضميره فقرر أن يصطحبها إلى شواطئ فلوريدا، وسبق زوجته بيومين إلى المصيف لاستئجار وإعداد مسكن، وبعد إكمال المهمة، جلس ليكتب لها رسالة إلكترونية، ثم اكتشف أنه لا يحتفظ بعنوانها وأجهد ذاكرته ووضع العنوان الذي أسعفته به الذاكرة، ولكنه كان العنوان الخطأ ووصلت الرسالة إلى عجوز فقدت الزوج قبل يوم واحد، ما إن قرأتها حتى سقطت جثة هامدة، واندفع ذووها إلى حيث سقطت ليجدوا على شاشة الكومبيوتر رسالة نصها: زوجتي العزيزة، وصلت قبل قليل وأعددت المكان لاستقبالك غدًا. التوقيع (زوجك العزيز)، وملاحظة أسفل التوقيع: الحرارة هنا فوق ما تصورت!

jafabbas19@gmail.com