جعفر عباس

تبّا للديمقراطية!


حدث في بريطانيا أخيرًا أمر أدهشني وأحزنني في الوقت نفسه: رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أجرى مقابلة مع تلفزيون بي بي سي فلجأ البعض إلى القضاء ونجحوا في منع بث المقابلة في اسكتلندا.. وحاولت بي بي سي استئناف الحكم ولكن القضاة رفضوا منحها حق الاستئناف وأيّدوا قرار المنع على أساس أنّ بثّ المقابلة قبل الانتخابات المحلية في اسكتلندا سيؤثر على خيارات الناخبين. أمر مؤسف ومحزن أن يتطاول بعض العامة على رئيس وزراء دولة كبرى مثل بريطانيا وأن يمنعوه من مخاطبة «الجماهير الوفية». لو عينني كاميرون مستشارًا له لمدة أسبوع واحد، أو أسند منصب المستشارية هذا إلى واحد من «جماعتنا»، لما حدث مثل ذلك الأمر.
وأنا أعجب لماذا لم يصدر قرار حتى الآن بإعلان الأحكام العرفية في اسكتلندا مع فرض حظر التجوال من الخامسة صباحًا إلى العاشرة مساء؟ لماذا لم يتم تحريك «القوات المسلحة الباسلة» لتتولى توزيع شريط فيديو يحوي تلك المقابلة على كل بيت في اسكتلندا مع تكليف رب الأسرة بكتابة ملخص لها كدليل على أنه شاهد الشريط واستوعب محتواه؟.. لو حدث هذا عندنا لصدر قرار بقطع الماء والكهرباء والأوكسجين عن الإقليم المعني حتى يثوب سكانه إلى رشدهم! ولو كانت اسكتلندا هذه «عندنا» لربما صدر قرار بإلغائها وشطبها من الأطلس نهائيًا.
والحكاية لا تنتهي هنا… فقد خسر الحزب الذي يقوده كاميرون مرارا انتخابات إسكتلندا، ولو كان لديه مستشار من جماعة 99,999%، لما حدث ذلك. هؤلاء الغربيون يحتاجون إلى دروس تقوية في السياسة، فعلى الجانب الآخر من الأطلسي يعاني الرئيس الأمريكي باراك أوباما من مرض فقدان المناعة السياسية المكتسب Acquired Immune Political Deficiency Syndrome ويعرف هذا المرض في الدوائر الطبية بكلمة «أيبدس» AIPDS، وبسبب هذا المرض خسر حزب صاحبنا (الديمقراطي) انتخابات الكونغرس. وسبب هذا المرض أن أوباما وغيره من الزعماء يأخذون الانتخابات والديمقراطية مأخذ الجد ويتعين عليهم بالتالي أن يدفعوا الثمن غاليًا!. أنا لا أفهم كيف يمكن أن يتنازل ساكن البيت الأبيض عن منصبه. ولو أدخلوني ذلك البيت، ولو عن طريق الخطأ، لما خرجت منه إلا على يد عزرائيل وليس الناخبين وما إلى ذلك من كلام فارغ.
وإزاء وضع كهذا فإن أمام أوباما عدة حلول تضمن له البقاء في كرسي الرئاسة، على الأقل إلى أن يبلغ سن سيئ الذكر رونالد ريغان. فبإمكانه مثلا حل الحزب الجمهوري المعارض واعتقال قادته حفاظًا على «الأمن القومي». وفي مقدوره شن هجوم على كندا بحجة الدفاع عن الأوزون أو الاسكيمو، ويسهل عليه من ثم إعلان حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات. وبإمكانه أيضًا استقدام خبير في تعبئة صناديق الانتخابات فيضمن له الفوز قبل موعد الانتخابات بسنة.
إنني أعتقد أن الديمقراطية هي أفيون الدول المتقدمة. انظروا إلى حال صاحبنا غورباتشوف الذي صدق أن علاج مشكلات الاتحاد السوفياتي يكمن في الديمقراطية فاستورد منها كميات كبيرة وحقن بها البلاد في الذراع والعضل، وكانت النتيجة أن ضاع الاتحاد السوفياتي، وضاع معه غورباتشوف وأصبح رئيسا «على المعاش»، وبعد أن اكتشف أن المعاش لا يكفي، بدأ يحوم من عاصمة إلى أخرى صائحا «محاضرة لله يا محسنين… مذكرات بسعر التكلفة يا…»… كل ذلك بلا طائل، حتى الصحافة لن تذكره إلا بعد موته أي عندما يصبح «الرفيق الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى».
الديمقراطية أيضًا التي تجعل زوجاتنا يتطاولن علينا، وتجعل رؤوس أولادنا وكأنما سرى فيها دود يأكل الشعر عشوائيًا.. والديمقراطية هي التي تجعل شخصًا مثلي يتطاول على أوباما وكاميرون، بينما لا يستطيع أن يقول «بِغِم» في أمر الحكم في بلاده، وهذه «إحدى علامات الساعة»!

jafabbas19@gmail.com