جمال علي حسن

مقال تأبين.. في عيد العمال القديم


أكثر من مائة عام هو عمر الحركة العمالية في السودان.. منذ أول إضراب لعمال الغابات السودانيين عام 1908، ليبدأ تاريخ حافل بالحيوية والنشاط والحضور البارز للنقابات العمالية ودورها الكبير في صنع أهم الأحداث في تاريخ السودان..

لكن وبعد كل هذا التأريخ الطويل لا يتذكر أحد عيد العمال العالمي الذي مر أمس الجمعة الأول من مايو مر علينا مثل نسمة هواء عابرة تحمل رائحة عطر قديم لم تتعرف عليه أنوف الأجيال الجديدة.. ويمضي دون أي استحقاق عندنا.. لأنه وببساطة أحد الأعياد الشيوعية القديمة والمدانة سياسياً.. وحين استبدلت الحكومة هذا اليوم الدولي بعيد وطني للعمال السودانيين في الخامس من أغسطس من كل عام، كان هذا القرار ضمن توجهات الإنقاذ لإزالة آثار ثقافة اليسار وكتابة تاريخ عمالي عاجل وجديد في السودان أقدم صفحاته هي مؤتمر الحوار النقابي الذي تم عقده وتنظيمه عام 1990 وانتهت أعماله يوم الخامس من أغسطس ليصبح هو يوم العمال الجديد في السودان.

وفي تقديري أن نظر الإنقاذ حينها كان قاصراً ونظرتها لعيد العمال كانت نظرة ضيقة جداً من زاوية نفسية فقط وشمولية لم تنتبه فيها إلى أن تاريخ وكتاب الحركة العمالية السودانية ليس كتاباً خاصاً بالحزب الشيوعي السوداني بل هي حركة جماهيرية واسعة وثرية تختزن رصيداً من الريادة والتميز في تاريخ الشعب السوداني على مستوى المنطقة، لا يمكن تعويضه، لذلك كان الأنسب أن تتم عملية إصلاح للحركة العمالية ومواصلة للمسيرة بنفس ثوابتها وتراكمات عمرها الزمني.. كان من الممكن إجراء تغييرات دون تقديم تنازلات عن كل هذا التأريخ هي بالأصح تنازلات من الذي لا يملك الحق في هذا التنازل عن مسيرة وحراك أجيال من قادة الحركة في العمالية وقواعدها في السودان..

كان من الممكن أن تتواصل المسيرة بإصلاح وتطوير وليس بمسح وإزالة وأن يُحْتَرمْ هذا التاريخ العمالي الحافل فهو تاريخ شعب وليس تاريخ حزب حتى ولو كان عيد العمال هو عيد شيوعي فمصر القريبة تحتفل به وبعض دول الخليج تضاعف من الاحتفاء به وتعوض للعاملين عطلته لو تصادفت مع عطلة نهاية الأسبوع.

أنا حزين جداً لهذا التضييع الذي حدث لتاريخ بلادنا.. فهيئة عمال السكة الحديد في السودان هي التي أجبرت المستعمر على إصدار أول قانون للعمل والعمال في عام 1948

ما يعطل بلادنا أن أي نظام يأتي للحكم يريد أن يجعل تاريخ بلادنا يبدأ به.. لذلك سنظل هكذا ندمن الرسم على الرمل والسير على الكثبان..

شوكة كرامة

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.